قال الراغب : والنّحلة والنّحلة : العطيّة على سبيل التبرع ، وهي أخصّ من الهبة ، إذ كل هبة نحلة من غير عكس ، واشتقاقه فيما أرى من النّحل ، نظرا منه إلى فعله ، فكأن «نحلته» أعطيته عطية النحل ، ثم قال : ويجوز أن تكون النّحلة أصلا فسمّي النّحل (١) بذلك اعتبارا بفعله.
وقال الزّمخشريّ : من نحله كذا أي : أعطاه إيّاه ووهبه له عن طيب نفسه ، نحلة ونحلا ، ومنه حديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ : «إنّي نحلتك جداد عشرين وسقا» (٢).
قال القفّال (٣) : وأصله إضافة الشيء إلى غير من هو له ، يقال (٤) : هذا شعر منحول ، أي : مضاف إلى غير قائله ، وانتحلت (٥) كذا إذا ادّعيته وأضفته إلى نفسك.
فصل من المقصود بالخطاب في الآية
في هذا الخطاب قولان :
أحدهما : أنه «لأولياء» [النساء] ؛ لأنّ العرب كانت في الجاهليّة لا تعطي النساء من مهورهن شيئا ، وكذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت : هنيئا لك النافجة ، ومعناه : أنّك تأخذ مهرها إبلا فتضمّها إلى إبلك فتنفج مالك أي : تعظمه ، وقال ابن الأعرابي (٦) : النافجة (٧) ما يأخذه الرّجل من الحلوان إذا زوج ابنته ، فنهى الله عن ذلك ، وأمر بدفع الحقّ إلى أهله ، وهذا قول الكلبيّ وأبي صالح واختيار الفرّاء وابن قتيبة.
وقال الحضرميّ : وكان أولياء النساء يعطي هذا أخته على أن يعطيه الآخر أخته ، ولا مهر بينهما ، فنهوا عن ذلك ، «ونهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الشّغار (٨)» ، وهو أن يزوج الرّجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ، ولا صداق بينهما.
الثاني : أنّ الخطاب للأزواج ، أمروا بإيفاء مهور النساء ، وهذا قول علقمة ، والنخعيّ وقتادة (٩) ، واختيار الزجّاج ، لأنه لا ذكر للأولياء هاهنا ، والخطاب قبله للأزواج.
قال قتادة : نحله فريضة (١٠).
__________________
(١) في أ : النحلة.
(٢) أخرجه مالك في الموطأ ٢ / ٧٥٢.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ٩ / ١٤٧.
(٤) في ب : فقال.
(٥) في ب : وانتحلته.
(٦) ينظر : الرازي ٩ / ١٤٦.
(٧) في أ : الناكحة.
(٨) أخرجه البخاري (٣ / ٤٢٤ ، ٣٤٠) ومسلم (٤ / ١٣٩) وأبو داود (٢٠٧٤) والنسائي (٢ / ٨٥ ، ٨٦) والترمذي (١ / ٢١٠) والدارمي (٢ / ١٣٦) وابن ماجه (١٨٨٣) وابن الجارود (٧١٩ ، ٧٢٠) والبيهقي (٧ / ١٩٩) وأحمد (٢ / ٧ ، ١٩ ، ٣٥ ، ٦٢ ، ٩١) من طرق عن نافع عن ابن عمر.
وزاد البخاري ومسلم : «أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ليس بينهما صداق».
(٩) انظر : تفسير الرازي (٩ / ١٤٦) وتفسير السمرقندي (١ / ٣٣٢).
(١٠) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ٥٥٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢١٢) وزاد نسبته لعبد بن حميد.