فوجه الفتح أنها وقعت مفعولا ، وهي وما عملت فيه في موضع مفرد ، وهو المفعول الثاني ل «حسبت» انتهى.
وفيما قاله نظر ؛ لأن النحاة نصّوا على وجوب كسر «إن» إذا وقعت مفعولا ثانيا ، والأول اسم عين ، وأنشدوا البيت المذكور على ذلك ، وعلّلوا وجوب الكسر بأنا لو فتحنا لكانت في محل مصدر ، فيلزم منه الاخبار بالمعنى عن العين.
الخامس : أن يكون (الَّذِينَ كَفَرُوا) مفعولا أول ، و (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً) في موضع المفعول الثاني ، و (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ) مبتدأ وخبر اعترض به بين مفعولي «تحسبن» ففي الكلام تقديم وتأخير ، نقل ذلك عن الأخفش.
قال أبو حاتم : وسمعت الأخفش يذكر فتح «أن» ـ يحتج به لأهل القدر ؛ لأنه كان منهم ـ ويجعله على التقديم والتأخير ، [أي](١) : ولا تحسبنّ الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما ، إنما نملي لهم خير لأنفسهم. انتهى.
وإنما جاز أن تكون «أن» المفتوحة مبتدأ بها أول الكلام ؛ لأن مذهب الأخفش ذلك ، وغيره يمنع ذلك ، فإن تقدم خبرها عليها ـ نحو : ظني أنك منطلق ، أو «أما» التفصيلية ، نحو أما أنك منطلق فعندي ، جاز ذلك إجماعا. وقول أبي حاتم : يذكر فتح «أن» يعني بها التي في قوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ). ووجه تمسّك القدرية أن الله تعالى لا يجوز أن يملي لهم إلا ما هو خير لأنفسهم ، لأنه يجب ـ عندهم ـ رعاية الأصلح.
السادس : قال المهدويّ : وقال قوم : قدم «الذين كفروا» توكيدا ، ثم حالهم ، من قوله : (أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) ردا عليهم ، والتقدير : ولا تحسبن أن إملاءنا للذين كفروا خير لأنفسهم.
وأما قراءة يحيى ـ بكسر «إنّما» مع الغيبة ـ فلا تخلو إما أن يجعل الفعل مسندا إلى «الذين» أو إلى ضمير غائب ، فإن كانت الأولى كانت «أنما» وما في حيّزها معلقة ل «تحسبن» وإن لم تكن اللام في خبرها لفظا ، فهي مقدرة ، فيكون «إنّما» ـ بالكسر ـ في موضع نصب ؛ لأنها معلقة لفعل الحسبان مع نية اللام ، ونظير ذلك تعليق أفعال القلوب عن المفعولين الصريحين ـ بتقدير لام الابتداء ـ في قوله [البسيط] :
١٦٩٧ ـ كذاك أدّبت حتّى صار من خلقي |
|
أنّي وجدت ملاك الشّيمة الأدب (٢) |
فلولا تقدير اللام لوجب نصب «ملاك» و «الأدب». وكذلك في الآية لولا تقدير اللام لوجب فتح «إنما».
__________________
(١) في أ : كأنه قال.
(٢) ينسب البيت لبعض بني فزارة : ينظر الحماسة ٢ / ٧٥٤ والدرر ١ / ١٣٥ والخزانة ٤ / ٥ وأوضح المسالك ٢ / ٦٥ وشرح شواهد ابن عقيل ص ٩٥ وشرح الأشموني ٢ / ٢٩ وشرح الجمل ١ / ٣١٤ والدر المصون ٢ / ٢٦٦.