(وَسَفَراً قاصِداً) أي : سهلا قريبا ههنا. «لاتّبعوك» لخرجوا معك. ومثل بالقاصد ، لأنّ المتوسط ، بين الإفراط والتفريط ، يقال له : مقتصد. قال تعالى : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [فاطر : ٣٢] ومعنى القاصد : ذو قصد ، كقولهم : لابن ، وتامر ، ورابح (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ). قرأ عيسى بن (١) عمر ، والأعرج «بعدت» بكسر العين. وقرأ عيسى(٢) «الشّقّة» بكسر الشين أيضا قال أبو حاتم : هما لغة تميم.
والشّقّة : الأرض التي يشقّ ركوبها ، اشتقاقا من المشقّة.
وقال الليث ، وابن فارس : هي الأرض البعيدة المسير ، اشتقاقا من الشّق ، أو من المشقّة ، والمعنى : بعدت عليهم المسافة وهذه الآية نزلت في المنافقين الذين تخلّفوا عن غزوة تبوك.
قوله : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ) الجارّ متعلق ب «سيحلفون».
وقال الزمخشريّ «بالله» متعلق ب : «سيحلفون» ، أو هو من جملة كلامهم ، والقول مراد في الوجهين ، أي : سيحلفون ، يعني : المتخلّفين عند رجوعك معتذرين يقولون : بالله لو استطعنا أو سيحلفون بالله يقولون : لو استطعنا.
وقوله : «لخرجنا» سدّ مسدّ جواب القسم ، و «لو» جميعا.
قال أبو حيان (٣) : قوله : «لخرجنا» سدّ مسدّ جواب القسم ، و «لو» جميعا ؛ ليس بجيد ، بل للنحويين في هذا مذهبان :
أحدهما : أنّ «لخرجنا» جواب القسم وجواب «لو» محذوف ، على قاعدة اجتماع القسم والشّرط ، إذا تقدّم القسم على الشّرط ، وهذا اختيار ابن عصفور. والآخر : أنّ «لخرجنا» جواب «لو» و «لو» وجوابها جواب القسم ، وهذا اختيار ابن مالك. أمّا أنّ «لخرجنا» سد مسدّهما فلا أعلم أحدا ذهب إلى ذلك ، ويحتمل أن يتأول كلامه على أنّه لمّا حذف جواب «لو» ودلّ عليه جواب القسم جعل كأنّه سدّ مسدّ جواب القسم ، وجواب «لو».
وقرأ الأعمش (٤) ، وزيد بن عليّ «لو استطعنا» بضم الواو ، كأنّهما فرّا من الكسرة على الواو وإن كان الأصل ، وشبّها واو «لو» بواو الضّمير ، كما شبّهوا واو الضّمير بواو «لو» حيث كسروها ، نحو : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) [البقرة : ١٦] ، لالتقاء الساكنين. وقرأ الحسن(٥): اشتروا الضللة ، و «لو استطعنا» بفتح الواو تخفيفا.
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٦٦.
(٢) ينظر : السابق.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٧.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٧٣ ، المحرر الوجيز ٣ / ٣٨ ، البحر المحيط ٥ / ٤٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٦٧.
(٥) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٤٧ ، الدر المصون ٣ / ٤٦٧.