قال القاضي : وهذا ليس بشيء ؛ لأن إقامة الحدود واجبة على من ليس بمنافق.
قوله : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) قال أبو البقاء : إن قيل كيف حسنت الواوهنا والفاأ أشبه بهذا الموضع؟ ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن الواو واو الحال والتقدير : افعل ذلك في حال استحقاقهم جهنم ، وتلك الحال حال كفرهم ونفاقهم.
والثاني : أن الواو جيء بها تنبيها على إرادة فعل محذوف ، تقديره : واعلم أن مأواهم جهنم.
الثالث : أن الكلام حمل على المعنى والمعنى أنه قد اجتمع لهم عذاب الدنيا بالجهاد والغلظة ، وعذاب الآخرة بجعل جهنم مأواهم. ولا حاجة إلى هذا كله ، بل هي جملة استئنافية.
قوله تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا) الآية.
قال ابن عباس : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالسا في ظل شجرة ، فقال : «إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعين الشيطان ، فإذا جاء فلا تكلموه» فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق ، فدعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «علام تشتمني أنت وأصحابك» فانطلق الرجل ؛ فجاء بأصحابه ، فحلفوا بالله ما قالوا ، فأنزل الله عزوجل الآية (١).
وقال الكلبي : نزلت في جلاس بن سويد ، وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطب ذات يوم بتبوك ، فذكر المنافقين ، فسمائهم رجسا وعابهم ، فقال جلاس : لئن كان محمد صادقا ، لنحن شر من الحمير فلما انصرف رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة أتاه عامر بن قيس ، وأخبره بما قال جلاس ، فقال الجلاس : كذب يا رسول الله ؛ فأمرهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحلفا عند المنبر ؛ فقام الجلاس عند المنبر بعد العصر فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما قاله ، ولقد كذب علي عامر ، فقام عامر فحلف بالله الذي لا إله إلا هو : لقد قاله ، وما كذبت عليه ، ثم رفع عامر يديه إلى السماء فقال : اللهم أنزل على نبيك تصديق الصادق منا.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون : آمين ، فنزل جبريل عليهالسلام قبل أن يتفرقوا بهذه الآية ، حتى بلغ (فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ) ، فقام الجلاس ، فقال : يا رسول الله أسمع الله قد عرض علي التوبة ، صدق عامر بن قيس فيما قاله ، لقد قلته وأنا أستغفر الله ، وأتوب إليه ، فقبل رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ذلك منه ، ثم تاب وحسنت توبته (٢).
وقيل : نزلت في عبد الله بن أبي لما قال (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٤٢٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٤٦٣) وزاد نسبته إلى الطبراني وأبي الشيخ وابن مردويه.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣١١ ـ ٣١٢) عن الكلبي والرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ١٠٨.