والثاني : أنه مفعول من أجله ، وعلى هذا فالمفعول به محذوف ، تقديره : وما نقموا منهم الإيمان إلا لأجل إغناء الله إياهم. وقد تقدم الكلام على «نقم» [الأعراف : ١٢٦].
قيل : إن مولى الجلاس قتل ، فأمر له رسول الله صلىاللهعليهوسلم بديته اثني عشر ألفا فاستغنى.
وقال الكلبي : كانوا قبل قدوم النبي صلىاللهعليهوسلم المدينة في ضنك من العيش فلما قدم عليهم النبيصلىاللهعليهوسلم استغنوا بالغنائم (١).
قوله : (فَإِنْ يَتُوبُوا) أي : من نفاقهم : (يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا) أي : يعرضوا عن التوبة (يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا) بالخزي ، وفي «الآخرة» بالنار (وَما لَهُمْ) في الأرض (مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أي : أن عذاب الله إذا حق لم ينفعه ولي ولا نصير.
قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) الآية.
(عاهَدَ اللهَ) فيه معنى القسم ، فلذلك أجيب بقوله : «لنصدقن» ، وحذف جواب الشرط لدلالة هذا الجواب عليه ، و «اللام» للتوطئة ، ولا يمتنع الجمع بين القسم واللام الموطئة له.
وقال أبو البقاء (٢) : فيه وجهان :
أحدهما : تقديره : «عاهد ، فقال : لئن آتانا».
والثاني : أن يكون «عاهد» بمعنى : قال ، فإن العهد قول. ولا حاجة إلى هذا.
قوله : (لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَ) قرأهما الجمهور بالنون الثقيلة. والأعمش (٣) بالخفيفة.
قال الزجاج الأصل : «لنصدقن» ، ولكن التاأ أدغمت في الصاد ، لقربها منها.
قال الليث : المتصدق : المعطي ، والمتصدق : السائل. قال الأصمعي ، والفراء : هذا خطأ ، فالمتصدق هو المعطي ، قال تعالى : (وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) [يوسف : ٨٨] واعلم أن هذه السورة نزل أكثرها في شرح أحوال المنافقين ؛ فلهذا ذكرهم على التفصيل فقال : (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَ) [التوبة : ٦٢] (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ) [التوبة : ٥٨] (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي) [التوبة : ٤٩] (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ(٤) اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ) [التوبة : ٧٥].
والمشهور في سبب نزول هذه الآية : ما روى أبو أمامة قال : جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه» ثم أتاه بعد ذلك فقال «أما
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٣١٢) والرازي في «التفسير الكبير» (١٦ / ١٠٩.
(٢) ينظر : الإملا لأبي البقاء ٢ / ١٨.
(٣) ينظر : الكشاف ٢ / ٢٩٣ ، المحرر الوجيز ٣ / ٦٢ ، البحر المحيط ٥ / ٧٥ ، الدر المصون ٣ / ٤٨٥.