من تحت والباقون بالتاء من فوق. فالقراءة الأولى تحتمل أن يكون اسم «كاد» ضمير الشّأن و «قلوب» مرفوع ب «يزيغ» ، والجملة في محلّ نصب خبرا لها ، وأن يكون اسمها ضمير القوم ، أو الجمع الذي دلّ عليه ذكر (الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) ، ولذلك قدّره أبو البقاء ، وابن عطيّة : «من بعد ما كاد القوم». وقال أبو حيان (١) ـ في هذه القراءة ـ «فيتعيّن أن يكون في «كاد» ضمير الشّأن ، وارتفاع «قلوب» ب «يزيغ» ، لامتناع أن يكون «قلوب» اسم «كاد» ، و «يزيغ» في موضع الخبر ؛ لأنّ النّية فيه التأخير ولا يجوز : من بعد ما كاد قلوب يزيغ بالياء» قال شهاب الدّين (٢) : ولا يتعيّن ما ذكر في هذه القراءة ، لما تقدّم من أنّه يجوز أن يكون اسم «كاد» ضميرا عائدا على الجمع أو القوم ، والجملة الفعليّة خبرها ، ولا محذور يمنع ذلك من ذلك. وقوله : لامتناع أن يكون «قلوب» اسم «كاد» لزم أن يكون «يزيغ» خبرا مقدما ؛ فيلزم أن يرفع ضميرا عائدا على «قلوب» ، ولو كان كذلك للزم تأنيث الفعل ؛ لأنّه حينئذ مسند إلى ضمير مؤنث مجازي ؛ لأنّ جمع التّكسير يجري مجرى المؤنث مجازا. وأمّا قراءة التّاء من فوق ؛ فتحتمل أن يكون في «كاد» ضمير الشّأن ، كما تقدّم ، و «قلوب» مرفوع ب «تزيغ» وأنّث لتأنيث الجمع ، وأن يكون «قلوب» اسمها ، و «تزيغ» خبر مقدّم ، ولا محذور في ذلك ؛ لأنّ الفعل قد أنّث.
وقال أبو حيّان (٣) : وعلى كلّ واحد من هذه الأعرايب الثلاثة إشكال على ما تقرّر في علم النّحو من أنّ خبر أفعال المقاربة لا يكون إلّا مضارعا رافعا ضمير اسمها ؛ فبعضهم أطلق وبعضهم قيّد بغير «عسى» من أفعال المقاربة ، ولا يكون سببيا ، وذلك بخلاف «كان» فإن خبرها يرفع الضمير والسببي لاسم «كان» ، فإذا قدّرنا فيها ضمير الشّأن كانت الجملة في موضع نصب على الخبر ، والمرفوع ليس ضميرا يعود على اسم «كاد» ، بل ولا سببيا له ، وهذا يلزم في قراءة التّاء أيضا. وأما توسط الخبر ؛ فهو مبنيّ على جواز مثل هذا التركيب في مثل : «كان يقوم زيد» ، وفيه خلاف والصحيح المنع. وأمّا الوجه الأخير ؛ فضعيف جدا ، من حيث أضمر في «كاد» ضميرا ، ليس له على من يعود إلّا بتوهّم ومن حيث يكون خبر «كاد» رافعا سببيا. قال شهاب الدّين (٤) : كيف يقول «والصّحيح المنع» وهذا التركيب موجود في القرآن ، كقوله تعالى: (ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ) [الأعراف : ١٣٧] (كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) [الجن : ٤] ، وفي قول امرىء القيس : [الطويل]
٢٨٥٦ ـ وإن تك ساءتك منّي خليقة |
|
......... (٥) |
فهذا التركيب واقع لا محالة. وإنّما اختلفوا في تقديره : هل من باب تقديم الخبر ،
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١١١.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٥٠٩.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٥ / ١١٢.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٥١٠.
(٥) تقدم.