ينافقون (١). وقال يمان : ينقضون عهدهم في السّنة مرة أو مرتين (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) من نقض العهد ، ولا يرجعون إلى الله من النّفاق ؛ (وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) أي : لا يتّعظون بما يرون من تصديق وعد الله بالنّصر والظفر للمسلمين.
قوله تعالى : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ) الآية.
هذا نوع آخر من مخازي المنافقين ، وهو أنّه كلما نزلت سورة مشتملة على شرح فضائح المنافقين وسمعوها تأذّوا من سماعها ، ونظر بعضهم إلى بعض نظرا مخصوصا دالا على الطّعن في تلك السّورة والاستهزاء بها ، وتحقير شأنها ، ويحتمل أنّهم كانوا يستحقرون القرآن كلّه ؛ فكلما سمعوا سورة ، استهزءوا بها وطعنوا فيها ، وضحكوا وتغامزوا ، وقيل : نظر بعضهم إلى بعض يريدون الحرب.
قوله : (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) في محل نصب بقول مضمر ، أي : يقولون : هل يراكم ، وجملة القول في محل نصب على الحال ، و (مِنْ أَحَدٍ) فاعل.
والمعنى : أنّهم عند سماع تلك السّورة يتأذون ، ويريدون الخروج من المسجد ، يقول بعضهم لبعض (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) من المؤمنين إن قمتم ، فإن لم يراهم أحد خرجوا من المسجد وإن علموا أنّ أحدا يراهم أقاموا وثبتوا. وقيل : إنهم كانوا إذا نزلت سورة اشتدّ كفرهم ونفاقهم ، وذلك النظر دالّ من الإنكار الشديد ، والنفرة التامة ، فخافوا أن يرى أحد من المسلمين ذلك النّظر وتلك الأحوال الدّالة على النّفاق والكفر ؛ فعند ذلك قالوا : (هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ) أي : لو رآكم أحد على هذا النظر وهذا الشكل لضركم جدّا.
ثم قال تعالى : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) قال ابن عبّاس : عن كل رشد وخير وهدى (٢) وقال الحسن : طبع الله على قلوبهم (٣). وقال الزجاج «أضلهم الله تعالى مجازاة على فعلهم». ذلك : (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) عن الله دينه. قال ابن عبّاس : لا تقولوا إذا صليتم انصرفنا من الصلاة فإنّ قوما انصرفوا ؛ «فصرف الله قلوبهم ، ولكن قولوا : قد قضينا الصلاة (٤). والمقصود : التفاؤل بترك هذه اللّفظة الواردة فيما لا ينبغي ، والتّرغيب في تلك اللفظة الواردة في الخير قال تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) [الجمعة : ١٠].
قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) الآية.
لمّا أمر رسوله ـ عليه الصلاة والسّلام ـ أن يبلغ التكاليف الشاقّة في هذه السورة إلى
__________________
(١) انظر : المصدر السابق.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٦ / ١٨٦).
(٣) انظر : المصدر السابق.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٥٢٢) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥٢٤) وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.