«قطعا» ، ووصف بذلك مبالغة في وصف وجوههم بالسواد ، ويجوز أن يكون حالا ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه حال من «قطعا» ، وجاز ذلك لتخصّصه بالوصف بالجارّ بعده وهو (مِنَ اللَّيْلِ).
والثاني : أنه حال من «الليل».
والثالث : أنه حال من الضمير المستتر في الجارّ لوقوعه صفة.
قال الزمخشري : فإن قلت : إذا جعلت «مظلما» حالا من «الليل» فما العامل فيه؟ قلت : لا يخلو : إما أن يكون «أغشيت» من قبل أنّ (مِنَ اللَّيْلِ) صفة لقوله : «قطعا» ، وكان إفضاؤه إلى الموصوف كإفضائه إلى الصفة ، وإما أن يكون معنى الفعل في (مِنَ اللَّيْلِ). قال أبو حيان : «أمّا الوجه الأول فهو بعيد لأنّ الأصل أن يكون العامل في الحال هو العامل في ذي الحال ، والعامل في (مِنَ اللَّيْلِ) هو الاستقرار ، و «أغشيت» عامل في قوله : «قطعا» الموصوف بقوله : (مِنَ اللَّيْلِ) فاختلفا ، فلذلك كان الوجه الأخير أولى ، أي : قطعا مستقرة من الليل ، أو كائنة من الليل في حال إظلامه».
وقال شهاب الدّين : ولا يعني الزمخشري بقوله : «إنّ العامل أغشيت» ، إلّا أن الموصوف ، وهو «قطعا» معمول ل «أغشيت» ، والعامل في الموصوف هو عامل في الصّفة.
قال شهاب الدين : والصّفة هي (مِنَ اللَّيْلِ) فهي معمولة ل «أغشيت» ، وهي صاحبة الحال ، والعامل في الحال هو العامل في ذي الحال ، فجاء من ذلك أنّ العامل في الحال هو العامل في صاحبها بهذه الطريقة ، ويجوز أن يكون «قطعا» : جمع قطعة ، أي : اسم جنس لها ، فيجوز حينئذ وصفه بالتّذكير ، نحو : (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [القمر : ٢٠] ، والتأنيث ، نحو : (نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧].
وأمّا قراءة الباقين ، فقال مكّي ، وغيره : إنّ «مظلما» حال من «اللّيل» فقط ، ولا يجوز أن يكون صفة ل «قطعا» ، ولا حالا منه ، ولا من الضمير في (مِنَ اللَّيْلِ ؛) لأنّه كان يجب أن يقال فيه : مظلمة ، يعنون : أنّ الموصوف حينئذ جمع ، وكذا صاحب الحال ، فتجب المطابقة. وأجاز بعضهم ما منعه هؤلاء ، وقالوا : جاز ذلك ؛ لأنّه في معنى الكثير ، وهذا فيه تعسّف.
وقرأ أبيّ (١) «يغشى وجوههم قطع» بالرفع ، و «مظلم» ، وقرأ ابن أبي (٢) عبلة كذلك ، إلّا أنّه فتح الطّاء. وإذا جعلت «مظلما» ، نعتا ل «قطعا» ، فتكون قد قدّمت النّعت غير الصّريح على الصّريح.
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٤٣ ، المحرر الوجيز ٣ / ١١٦ ، البحر المحيط ٥ / ١٥٢ ، الدر المصون ٤ / ٢٥.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١١٦ ، البحر المحيط ٥ / ١٥٢ ، الدر المصون ٤ / ٢٥.