يؤمن إيمانا. وهل هو من الأمان؟ وفي معناه حينئذ وجهان :
أحدهما : أنهم لا يؤمنون في أنفسهم ، أي : لا يعطون أمانا بعد نكثهم وطعنهم ، ولا سبيل إلى ذلك.
والثاني : الإخبار بأنهم لا يوفون لأحد بعهد يعقدونه له ، أو من التصديق أي : إنّهم لا إسلام لهم ، واختار مكيّ التأويل الأوّل ، لما فيه من تجديد فائدة لم يتقدّم لها ذكر ؛ لأنّ وصفهم بالكفر وعدم الإيمان قد سبق وعرف.
وقرأ الباقون بالفتح ، وهو جمع يمين وهذا مناسب للنكث ، وقد أجمع على فتح الثّانية ، ويعني نفي الأيمان عن الكفّار ، أنّهم لا يوفون بها وإن صدرت منهم وثبتت ؛ وهذا كقول الآخر : [الطويل]
٢٧٦٩ ـ وإن حلفت لا ينقض النّأي عهدها |
|
فليس لمخضوب البنان يمين (١) |
وبذلك قال الشّافعي ، وحمله أبو حنيفة على حقيقته أنّ يمين الكافر لا تكون يمينا شرعية ، وعند الشافعي يمين شرعية.
فصل في المراد من الآية
معنى الآية : قاتلوا الكفار بأسرهم ، وإنّما خصّ الأئمّة ، والسّادة بالذّكر ، لأنهم هم الذين يحرضون الأتباع على الأفعال الباطلة.
قال ابن عبّاس : «نزلت في أبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهل بن عمرو ، وعكرمة بن أبي جهل ، وسائر رؤساء قريش يومئذ ، والذين نقضوا العهد ، وهم الذين همّوا بإخراج الرسول» (٢) ، وقال مجاهد «هم أهل فارس والروم» وقال حذيفة بن اليمان «ما قوتل أهل هذه الآية ، ولم يأت أهلها بعد» (٣).
(إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ) أي : لا عهود لهم. ثم قال : (لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) وهو متعلق بقوله: (فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ) أي : ليكن غرضكم في مقاتلتهم بعد ما وجد منهم من العظائم أن تكون المقاتلة سببا في انتهائهم عن الكفر.
قوله تعالى : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ).
__________________
(١) البيت لكثير في ديوانه (١٧٦) شرح الحماسة ٣ / ١٣٠٩ وفي تفسير القرطبي ٨ / ٨١ والدر المصون ٣ / ٤٥١ والقرافي في الاستغناء (٢٣٧).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦ / ٣٢٩) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٨) وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.
وذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٢٧٢) عن ابن عباس.
(٣) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٣٨٨) وعزاه إلى ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه.