الشيء وفعلته أنا. ومثله فغر الفم وفغرته ، ودلع اللسان ودلعته ، ونقص الشّيء ونقصته ، وفعله لازم ومتعد ، فمن اللازم قوله تعالى : (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ ،) أي : تنقص. وقيل : بل هو هنا متعدّ وسيأتي ، ومن المتعدّي هذه الآية ؛ لأنّه لا يبنى للمفعول من غير واسطة حرف جر إلّا المتعدّي بنفسه.
والجوديّ : جبل بعينه بالموصل ، وقيل : بل كلّ جبل يقال له جوديّ ؛ منه قول عمرو بن نفيل : [البسيط]
٢٩٧٦ ـ سبحانه ثمّ سبحانا نعوذ به |
|
وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد (١) |
قال شهاب الدين (٢) : ولا أدري ما في ذلك من الدّلالة على أنّه عامّ في كلّ جبل.
وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة بتخفيف ياء «الجوديّ».
قال ابن عطيّة : وهما لغتان. والصّواب أن يقال : خفّفت ياء النّسب ، وإن كان يجوز ذلك في كلامهم الفاشي.
قوله «بعدا» منصوب على المصدر بفعل مقدّر ، أي : وقيل : ابعدوا بعدا ، فهو مصدر بمعنى الدعاء عليهم نحو : جدعا ، يقال : بعد يبعد بعدا إذا هلك ، قال : [الطويل]
٢٩٧٧ ـ يقولون لا تبعد وهم يدفنونه |
|
ولا بعد إلّا ما تواري الصّفائح (٣) |
واللّام إمّا أن تتعلق بفعل محذوف ، ويكون على سبيل البيان كما تقدّم في نحو «سقيا لك ورعيا» ، وإمّا أن تتعلق ب «قيل» ، أي : لأجلهم هذا القول.
قال الزمخشري (٤) : ومجيء إخباره على الفعل المبني للمفعول للدّلالة على الجلال والكبرياء ، وأنّ تلك الأمور العظام لا تكون إلّا بفعل فاعل قادر ، وتكوين مكوّن قاهر ، وأنّ فاعل هذه الأفعال واحد لا يشارك في أفعاله ، فلا يذهب الوهم إلى أن يقول غيره : يا أرض ابلعي ماءك ، ولا أن يقضي ذلك الأمر الهائل إلّا هو ، ولا أن تستوي السفينة على الجوديّ ، وتستقر عليه إلّا بتسويته وإقراره ، ولما ذكرنا من المعاني والنّكت استفصح علماء البيان هذه الآية ، ورقصوا لها رءوسهم لا لتجانس الكلمتين وهما قوله : «ابلعي وأقلعي» ، وذلك وإن كان الكلام لا يخلو من حسن فهو كغير الملتفت إليه بإزاء تلك المحاسن التي هي اللّبّ وما عداها قشور.
__________________
(١) البيت لورقة بن نوفل ينظر : الأغاني ٣ / ١١٥ وخزانة الأدب ٣ / ٣٣٨ ، ٧ / ٢٣٤ ، ٢٣٦ ، ٢٣٨ ، ٢٤٣ ، والدرر ٣ / ٦٩ ولأمية بن أبي الصلت ينظر : ديوانه (٣٠) والكتاب ١ / ٣٢٦ واللسان (سبح) ولزيد بن عمرو بن نفيل ينظر شرح أبيات سيبويه ١ / ١٩٤ والدر المصون ٤ / ١٠٣ وبلا نسبة في شرح المفصل ١ / ٣٧ ، ١٢ ، ٤ / ٣٦ ، والمقتضب ٣ / ٢١٧ وهمع الهوامع ١ / ١٩٠.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ١٧٦ ، والبحر المحيط ٥ / ٢٢٩ والدر المصون ٤ / ١٠٤.
(٣) ينظر البيت في الدر المصون ٤ / ١٠٣.
(٤) ينظر : تفسير الكشاف ٢ / ٣٩٨.