الثاني : قال المازنيّ : «إنّ» هي المخففة ثقلت ، وهي نافية بمعنى «ما» كما خففت «إنّ» ومعناها المثقلة ، و «لمّا» بمعنى «إلّا» ، وهذا قول ساقط جدّا لا اعتبار به ، لأنّه لم يعهد تثقيل «إن» النافية ، وأيضا ف «كلّا» بعدها منصوب ، والنافية لا تنصب.
الثالث : أنّ «لمّا» هنا هي الجازمة للمضارع حذف مجزومها لفهم المعنى.
قال أبو عمرو بن الحاجب ـ في أماليه ـ : «لمّا» هذه هي الجازمة فحذف فعلها للدّلالة عليه ، لما ثبت من جواز حذف فعلها في قولهم : «خرجت ولمّا ، وسافرت ولمّا» وهو سائغ فصيح ، ويكون المعنى : وإنّ كلا لمّا يهملوا أو يتركوا لما تقدّم من الدّلالة عليه من تفصيل المجموعين بقوله : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ، ثمّ فصّل الأشقياء والسّعداء ، ومجازاتهم ثمّ بيّن ذلك بقوله : (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) ، قال : «وما أعرف وجها أشبه من هذا ، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أنّ مثله لم يرد في القرآن» ، قال : «والتّحقيق يأبى استبعاده».
قال شهاب الدّين : وقد نصّ النّحويون على أنّ «لمّا» يحذف مجزومها باطّراد ؛ قالوا : لأنّها لنفي قد فعل ، وقد يحذف بعدها الفعل ؛ كقوله : [الكامل]
٣٠٣٤ ـ أفد التّرحّل غير أنّ ركابنا |
|
لمّا تزل برحالنا وكأن قد (١) |
أي : وكأن قد زالت ، فكذلك منفيه ، وممّن نصّ عليه الزمخشريّ ، على حذف مجزومها ، وأنشد يعقوب على ذلك في كتاب «معاني الشّعر» قول الشّاعر : [الوافر]
٣٠٣٥ ـ فجئت قبورهم بدءا ولمّا |
|
فناديت القبور فلم يجبنه (٢) |
قال : «قوله : «بدءا» أي : سيّدا ، وبدء القوم سيّدهم ، وبدء الجزور خير أنصبائها».
قال : وقوله : «ولما» أي : ولمّا أكن سيّدا إلّا حين ماتوا ، فإنّي سدت بعدهم ؛ كقول الآخر : [الكامل]
٣٠٣٦ ـ خلت الدّيار فسدت غير مسوّد |
|
ومن العناء تفرّدى بالسّؤدد |
ما نلت ما قد نلت إلّا بعدما |
|
ذهب الكرام وساد عير السّيّد (٣) |
قال : ونظير السّكوت على «لمّا» دون فعلها السكّوت على «قد» دون فعلها في قول النابغة : [الكامل]
٣٠٣٧ ـ أفد التّرحّل .......... |
|
......... (٤) |
قال شهاب الدّين (٥) : وهذا الوجه لا خصوصية له بهذا القراءة ، بل يجيء في قراءة من شدّد «لمّا» سواء شدّد «إن» أو خففها.
__________________
(١) تقدم.
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) تقدم.
(٥) ينظر : الدر المصون ٤ / ١٤١ ـ ١٤٢.