بسياقها من إظهار المقدرة والكرامة معنى ، ولا لذاك الإنكار الشديد الذي أظهرته قريش عند ما قصّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لهم القصة وجه ، ولا لما أخبرهم به من حوادث الطريق مفهوم معقول.
بل ذلك ـ إن كان ـ بعروجه صلىاللهعليهوآلهوسلم بروحه الشريفة إلى ما وراء هذا العالم المادي مما يسكنه الملائكة المكرمون ، وينتهي إليه الأعمال ويصدر منه الأقدار ، ورأى عند ذلك من آيات ربه الكبرى ، وتمثلت له حقائق الأشياء ونتائج الأعمال ، وشاهد أرواح الأنبياء العظام وفاوضهم ، ولقي الملائكة الكرام وسامرهم ، ورأى من الآيات الإلهية ما لا يوصف إلا بالأمثال كالعرش والحجب والسرادقات.
والقوم لذهابهم إلى أصالة الوجود المادي ، وقصر الوجود غير المادي فيه تعالى ، لما وجودا الكتاب والسنة يصفان أمورا غير محسوسة بتمثيلها في خواص الأجسام المحسوسة ، كالملائكة الكرام ، والعرش ، والكرسي ، واللوح ، والقلم ، والحجب ، والسرادقات ... حملوا ذلك على كونها أجساما مادية لا يتعلق بها الحس ولا يجري فيها أحكام المادة ، وحملوا ، أيضا ، ما ورد من التمثيلات في مقام الصالحين ، ومعارج القرب ، وبواطن صور المعاصي ، ونتائج الأعمال ، وما يناظر ذلك ... إلى نوع من التشبيه والاستعارة ، فوقعوا في ورطة السفسطة بتغليط الحس وإثبات الروابط الخرافيّة بين الأعمال ونتائجها وغير ذلك من المحاذير» (١).
هذا ما ذهب إليه العلامة الطباطبائي وصدر المتألهين الشيرازي. ونحن نرى في هذا التفسير لمسألة العروج ، لونا من ألوان التفسير الغيبي الذي يلتقي فيه العروج بالروح في غرابته للمألوف ، بالإسراء بالجسد في ذلك ؛ مما يجعل من المسألة مسألة تأويل للفكرة ، لا مسألة توضيح وجدانيّ لها.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٣ ، ص : ٣٢.