كتابه «مفاتيح الغيب» ، في المفتاح الرابع من مراتب الكشف ، قال :
«قد تكون المكاشفة على سبيل الملامسة ، وهي بالاتصال بين النورين ، كما قال ابن عباس : إن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : رأيت ربي فوضع كفه بين كتفيّ ، فوجدت بردها بين ثدييّ ، فعلمت ما في السموات. ثم تلا : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الأنعام : ٧٥]. ويتابع ملّا صدرا الشيرازي حديثه : رآه صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتجلّي والمكاشفة ، ومنبع هذه المكاشفات هو القلب الإنساني ، أي نفسه الناطقة المنوّرة بالعقل العملي المستعمل بحواسّه الروحانية ، وللنفس في ذاتها عين وسمع كما أشير إليه في قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦].
وهذه الحواس الروحانية هي أصل هذه الحواس الجسمانية ، فإذا ارتفع الحجاب بينها وبين هذه الخارجية ، اتحدت بالأصل ، فتشاهد ما يشاهده الأصل ـ أي في المكاشفة ـ. بهذا المعنى يرى القلب كما ترى العين ، والروح تشاهد جميع ذلك بذاتها ، لأن هذه الحقائق تتحد في مرتبتها عند كونها في مقام العقل ، لأن العقل يحيط بكل الموجودات ، وهذه المكاشفة القلبية أعلى مراتب الكشف ويسمّى بالشهود الروحي ، فهي بمثابة الشمس المنوّرة ، بسموات مراتب الروح وأراضي الجسد ، فهو بذاته أخذ من الله العليم الحكيم المعاني الحقيقية من غير واسطة على قدر استعداد المكاشف. انتهى» (١).
ويرى صاحب تفسير الميزان أن الجائز أن يقال إن العروج كان بروحه ، «لكن لا على النحو الذي يراه القائلون به من كون ذلك من قبيل الأحلام ، ومن نوع ما يراه النائم من الرؤى ، ولو كان كذلك لم يكن لما يدل عليه الآيات
__________________
(١) الشيرازي ، صدر الدين ، محمد بن إبراهيم ، مفاتيح الغيب ، صححه وقدم له : محمد خواجي ، ص : ١٤٩ ـ ١٥١.