وهذا نعم الشاهد على أن المراد بالتسبيح في الآية ليس مجرد دلالتها عليه تعالى ، بنفي الشريك ، وجهات النقص ، فإن الخطاب في قوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) إمّا للمشركين ، وإما للناس ، أعم من المؤمن والمشرك ، وهم على أيّ حال يفقهون دلالة الأشياء على صانعها ، مع أن الآية تنفي عنهم الفقه» (١).
وإننا نتحفظ في ما ذكره من شمول الكلام ، للدلالة على كل ما يكشف عن المقصود حتى لو لم يكن باللفظ ، وذلك لصحة السلب عن غير موارد الدلالة باللفظ ، ولذا يقال للأخرس إنه لا يتكلم ، كما يقال للحيوانات ذلك. وأمّا ما نجده في بعض الإطلاقات ، فإنه وارد على سبيل الاستعارة المجازية.
وقد لا نستطيع اعتبار هذا البحث ذا ثمرة عملية ، لأن الجميع ممن يعتبر التسبيح للموجودات واردا على نحو الحقيقة أو المجاز ، متفقون على طبيعة المضمون التسبيحي الدّالّة على عظمة الله وتنزيهه ، ولكننا أشرنا إليه لما فيه من الطرافة.
وقد ختم القرآن الآية بقوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) للتدليل على أن الله لا يواجه هؤلاء الذين يشركون به ، أو ينفرون من الاستماع إلى آياته ، بالعقاب العاجل ، بل يمهلهم ليراجعوا أفكارهم ، وليتعرّفوا على مواقع الخطأ في مواقفهم ، ليتوبوا ويرجعوا إليه ، فيغفر لهم ذنوبهم ، ويشملهم بعنايته ورحمته ، لأنه الحليم الغفور.
* * *
__________________
(١) (م. س) ، ج : ١٣ ، ص : ١٠٩.