مظاهر العظمة الناطقة بوجودها بتنزيه الله وتعظيمه ، أو تسبيحا قوليا ، باعتبار أن القول أو الكلام في حقيقته هو «الكشف عما في الضمير بنوع من الإشارة إليه والدلالة عليه ، غير أن الإنسان لما لم يجد إلى إرادة كل ما يريد الإشارة إليه من طريق التكوين طريقا ، التجأ إلى استعمال الألفاظ ، وهي الأصوات الموضوعة للمعاني ، ودل بها على ما في ضميره ، وجرت على ذلك سنة التفهيم والتفهّم. وربما استعان على بعض مقاصده بالإشارة بيده أو رأسه أو غيرهما ، وربما استعان على ذلك بكتابة أو نصب علامة. وبالجملة ، فالذي يكشف به عن معنى مقصود ، قول وكلام وقيام الشيء بهذا الكشف قول منه وتكليم ، وإن لم يكن بصوت مقروع ولفظ موضوع ، ومن الدليل عليه ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الكلام والقول والأمر والوحي ، ونحو ذلك مما فيه معنى الكشف عن المقاصد ، وليس من قبيل القول والكلام المعهود عندنا معشر المتلسنين باللغات ، وقد سمّاه الله سبحانه قولا وكلاما.
وعند هذه الموجودات المشهودة من السماء والأرض ومن فيهما ما يكشف كشفا صريحا عن وحدانية ربها في ربوبيته ، وينزهه تعالى عن كل نقص وشين ، فهي تسبح الله سبحانه» (١).
ثم يفيض في الحديث عن المسألة ، وينتهي إلى القول في معرض توضيح الفكرة فيقول: «وبلفظ آخر ، إذا لوحظت الأشياء من جهة كشفها عما عند ربها ، بإبرازها ما عندها من الحاجة والنقص مع ما لها من الشعور بذلك ، كان ذلك تسبيحا منها ، وإذا لوحظت من جهة كشفها ما لربها ، بإظهارها ما عندها من نعمة الوجود وسائر جهات الكمال ، فهو حمد منها لربها ، وإذا لوحظ كشفها ما عند الله سبحانه من صفة جمال أو جلال ، مع قطع النظر عن علمها وشعورها بما تكشف عنه ، كان ذلك دلالة منها عليه تعالى وهي آياته.
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٣ ، ص : ١٠٦.