يَرْحَمْكُمْ) لا يشاء ذلك إلّا مع الإيمان والعمل الصالح على ما بيّنه في كلامه (أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) ولا يشاء ذلك إلا مع الكفر والفسوق ، وما جعلناك أيها النبي عليهم وكيلا مفوضا إليه أمرهم ، حتى تختار لمن تشاء ما تشاء ، فتعطي هذا وتحرك ذاك.
ومن ذلك يظهر أن الترديد في قوله : (إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) باعتبار المشيئة المختلفة باختلاف الموارد بالإيمان والكفر والعمل الصالح والطالح ، وأن قوله : (وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) لردع المؤمنين عن أن يعتمدوا في نجاتهم على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والانتساب إلى قبول دينه نظير قوله : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (١).
إننا نلاحظ أن هذا الاستظهار مبنيّ على ما استظهره في الآية السابقة ، من توجيه النداء إلى المسلمين في طريقة مخاطبتهم للمشركين. وقد ناقشنا ذلك ، لأنه لا يرتكز على أساس لفظي أو تاريخي ، بل هو مجرد استنتاج ذاتي لا ينسجم مع السياق ـ كما قدمنا ـ ونلاحظ ـ أيضا ـ أن الأسلوب القرآني قد دأب على إثارة علم الله أمام الإنسان ، وذلك كي يدفعه إلى مراقبته في داخل نفسه ، ليكون ذلك سبيلا إلى الامتناع عن معصيته ، كما أن الحديث عن الترديد بين الرحمة والعذاب ينطلق في سياق استحقاق العذاب ، الذي قد يكون موضعا للعفو أو للعقاب ، من خلال مشيئته ، لا في اختلاف الموارد بين الإطاعة والمعصية. وبهذا فإن ما ذكره لا يتناسب مع ذلك.
(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) لأنه هو الذي خلقهم ، ويعلم سرّهم وعلانيتهم ، ولا يخفى عليه شيء في الأرض والسماء. وهذا ما يريد الله من الإنسان أن يختزنه داخل ضميره ، ليشعر بالإحاطة الشاملة الممتدة لكل الآفاق من حوله ، حتى يكون ذلك سبيلا لتعميق الرقابة الداخلية في نفسه ، فيمتنع عن
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٣ ، ص : ١١٦ ـ ١١٧.