استقلال ذاتي ، بل يحسون بالحاجة المطلقة إليه ، لاعتقادهم بالغنى المطلق له ، ولذا فهم يحاولون الوصول إليه وإلى رحمته بأيّ طريق ، وفي عملية بحث دائم ، ويبتغون إليه الوسيلة التي تقربهم إليه ليمارسوها ، وليحصلوا عليها ، وليتسابقوا في ذلك كله ، ليروا (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) من خلال طبيعة وسيلته التي تتميز عن الوسيلة الأخرى لغيره.
والظاهر أن المراد من الوسيلة ، هي العمل الصالح الذي أراده الله سبيلا للقرب منه ، لا الأشخاص الذين يتخذهم الناس وسائل للوصول إلى الله. ولعل هذا هو المراد من قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) ، [المائدة : ٣٥] وذلك من خلال ما تعبر عنه الكلمة من الطريق أو الأداة التي يتقرب بها الناس إلى الله ، ويصلون ـ من خلالها ـ إليه بشكل مباشر.
(وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ) في لهفة المترقّب الذي ينتظر هطول الرحمة عليه بالمغفرة والرضوان ، (وَيَخافُونَ عَذابَهُ) في شعور الإنسان المذنب الذي يعرف أنه مستحق للعذاب ، ولذا فإنه يخاف عذاب الله ، ويحذر من وقوعه. (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً). يحذر منه الناس ، لما له من شدّة في طبيعته ونتيجته.
وعلى ضوء هذا ، فإن معنى الآية ، هو ، كيف يمكن أن يدّعي هؤلاء الناس ألوهية هذه المخلوقات ، واعتبارها شريكة لله سبحانه ، مع أنها لا تشعر بالاستقلال الذاتي في طبيعتها ، بل هي ـ على العكس من ذلك ـ تشعر بالحاجة المطلقة إليه ، ممّا يدفعها إلى تلمّس كل الوسائل التي تقربها إليه لتدرس أيّها أقرب إليها ، لتسلكها ، فيعرف أفرادها (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ليحس بالأمن والطمأنينة والنجاة من النار ... وترجو رحمة الله وتخاف عذابه ، فهي في قلق دائم من ذلك كله ، فكيف يمكن أن تكون في موقع الشريك لله ـ سبحانه ـ؟
* * *