يستسلمون للشهوات ويمارسون كل أوضاع الحياة من خلال اللّامبالاة ، كما لو كانت الحياة فرصة طيبة للهو والعبث ، بعيدا عن الفكر والهدى ، أما عباد الله الذين يعيشون الإحساس بالعبودية في عمق الذات ، على أساس أنه سرّ الوجود الإنساني في شعورهم بحاجتهم المطلقة لله في كل شيء ، من أول حركة في رحلة الوجود حتى آخر نبضة منه ، فليست العبودية عندهم حالة طارئة ، تنطلق من غلبة أو تشريع أو ما أشبه ذلك ، بل هي المعنى والحقيقة والمضمون في داخل الشخصية ، فهم ينظرون إلى المسؤولية نظرة جدّية ، تتصل بإنسانيتهم التي تعني الانسجام مع النظام الكوني في حركته ، للوصول به إلى الغاية الأساسية ، والّتي تفرض النظرة إلى عناصرها الذاتية ، كأمانة لله عندها ، في ما يجب أن تقوم به أو تتحرك به من خطط ومشاريع ... ولذلك فإنهم يعيشون الحرية أمام الشيطان وأمام العالم ، بالعمق نفسه الذي يعيشون فيه العبودية أمام الله.
(إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) لأن سلطانك على الذين يتبعونك لا يعود سببه إلى ما تملكه من قوّة مهيمنة ضاغطة ساحقة ، أو لضعف فيهم لا يمكن أن يترجم إلى قوّة ، بل هو ناشئ من تنازل هؤلاء عن قوتهم في الفكر والإرادة ، واستسلامهم لك في ساحة الصراع ، ولكن عبادي الذين آمنوا بي وبرسلي ، وأخلصوا لرسالتي ، يستنفرون كل طاقاتهم الفكرية والعملية لمواجهة أساليبك الشيطانية وضغوطك الشهويّة ، فلا تستطيع إغواءهم لأنهم يتمرّدون على كل عناصر الإغواء الذاتية ، ولا تتمكن من إضلالهم ، لأنهم يصرّون على السير بقوّة في اتجاه الخط المستقيم ، من خلال المنهج الفكري والعملي الذي خطته الرسالات للإنسان من أجل بقائه مع الله في جميع أوضاعه العامة والخاصة ... فهو الذي يمد الإنسان بالقوّة عند ما يريد أن يتحرك نحوه ويتجه إليه ، ويقوم على رعايته وحمايته من كل شرّ يضغط عليه بما لا قيل له به. (وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) وكافلا لعباده المخلصين السائرين على طريقه وهداه.
* * *