المواقع المتنوعة التي يحمل كل منها خصوصية للفكر وللعمل وللحياة.
ولم يكن آدم ـ بشخصه ـ موضعا لهذا التكريم الإلهي ، في حفلة الخلق الأولى ، وفي حركة الوجود بعد ذلك ، وفي امتداده في نطاق الزمن ، بل كان آدم ـ الإنسان ـ النوع ، في كل مظاهره النوعية وخصائصه الإنسانية ؛ من العقل والعلم والقدرة على التنوع في الحركة في مجالات النمو والإبداع ، هو سر هذا التكريم.
إنه سيّد الأرض ، وحامل الرسالة ، ومستودع علم الله الذي يريد للإنسان أن يحمله ، وخليفته في إدارة النظام الكوني ، بالمقدار الذي يستطيع ـ معه ـ أن يستوعب إسراره ، ويملك حركته. وذلك هو الفرق بين الإنسان وبين الحيوان الذي يملك الحياة ويمارس بعض الدور فيها ، ولكنه غير قادر على التطوير والتنويع والحركة ، لأنه خاضع في حياته للفطرة الذاتية التي تتحرك وتقف بحساب دقيق ، دون أن يملك القدرة على الخروج من هذه الدائرة ، بل هو في كل حياته خاضع للإنسان ، مسخّر له ، وواقع ـ في أغلب مجالاته ـ تحت سلطته. أمّا الجن ، فقد يملك بعض الخصائص العقلية ، التي نعرفها من خلال مسئوليته أمام الله عن الإيمان وعن الحركة في اتجاهه ، ولكنه ـ على ما يبدو ـ لا يملك هذا النوع من القدرة على الإبداع الذاتي ، أو الاختزان الروحي للمسؤولية ، ولذا كان الإنسان هو الرسول الذي أرسله الله من أجل أن يهديه ويرشده ويخطط له طريق الهدى ، كما حدثنا القرآن عن ذلك في سورة الجن.
وإذا كانت هناك بعض العقائد التي توحي بالقدرة الخارقة التي تمكّن الجن من السيطرة على الإنسان والضغط عليه ، وتجميد عقله ، وإرباك حياته ، وتعقيد مشاعره ، وإثارة أعصابه ، فإنها لا ترجع إلى أساس علميّ أو دينيّ موثوق به ، بل هي مجرد انطباعات واستنتاجات يحملها الناس من خلال الثقافات المشوشة ، التي تفرض نفسها على الذهن ، حتى تحوّله إلى ما يشبه