سيما سورة التوحيد ، في ما تجسده للإنسان من التصور العقيدي الذي يلتقي بالله في توحيده ، وشمول ربوبيته للعالمين ، وإفاضة رحمته على الناس كلهم ، وسلطته المطلقة على الطرق التي تحتاج إلى الهادي من الداخل أو الخارج. وبهذا ينطلق الخضوع في الرّكوع والخشوع في السجود ، والاستسلام في الموقف وفي كل حركات الصلاة ، ليكون نتيجة لما عاشه الإنسان في القراءة فكرا ووجدانا ، ليمارسه في الركوع تطبيقا وتجسيدا.
(إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) باعتبار أن وقت الفجر هو الخط الفاصل بين الليل والنهار ، ففيه بعض ملامح الليل في هذا الغبش الضبابيّ المثقل بالظلام وهو يتنفّس النور ، وبعض ملامح النهار في حركة النور الباحث عن الشمس في موعد الشروق. وبذلك تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ، ويشهده الله قبل ذلك وبعده. ولعل التعبير عن صلاة الصبح القرآني دون سائر الصلوات ، باعتبار أنها الصلاة التي يتمثل فيها الجوّ القرآني في روحانيته المتميزة بهدوء الليل وانفتاح النور ، لتكون الوجه الذي يشير إلى الصلوات الأخرى بأبلغ تعبير ، وأروع صورة.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) أي فاسهر واستيقظ ببعض الليل ، كما عن بعض ، أو بالقرآن ، على رأي بعض آخر ، لتكون صلاة زائدة على الفريضة ، لتنتفع بها من خلال ما تحصل عليه من القرب لله والحصول على ثوابه.
(عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ) في يوم القيامة ، أو في الدنيا والآخرة ، (مَقاماً مَحْمُوداً) أي موقعا من مواقع الحمد ، أو مكانا مميزا محمودا في موقعه وفي ثوابه ... وربما كان ذلك نظرا إلى مقام الشفاعة الذي جعله الله للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في يوم القيامة ، بما يحمده عليه جميع الخلائق ـ لو كان الخطاب موجها للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ أما إذا كان موجّها إلى كل إنسان فإن المراد به ـ والله العالم ـ هو