الزمن كله ، فلا يبتعد الإنسان عن الله في وقت ، حتى تأتيه الصلاة لترجعه إليه في وقت آخر ، وبذلك لا يخلو ذهنه من الله في أيّة لحظة ، لأن عمق المسؤولية المتصلة بالله ، تفرض تنمية هذا الحضور الدائم في وعيه ووجدانه ، فتتحرك التوبة لتطوّق المعصية ، وتنطلق الاستقامة لتواجه الانحراف ، ويتفجر النور ليهزم الظلام ... وهكذا حتى يستطيع هذا الإنسان أن يغيّر نفسه ، ويطوّر حياته بين يدي الله.
وهكذا كان الله يريد للإنسان أن يقيم الصلاة عند دلوك الشمس ، المفسّر بالزوال لدى بعض ، أو من لدن زوالها إلى غروبها لدى بعض آخر ، لتحدّد له صلاة الظهر والعصر ... وربما فسّرها ثالث بالغروب. وحاول بعض أن يفلسف المسألة في التفسيرين الأولين بأن أصله من الدلك ، فسمي الزوال دلوكا لأن الناظر إليها يدلك عينيه لشدّة شعاعها ، وفي التفسير الثالث ، أن الغروب سمي دلوكا لأن الناظر يدلك عينيه ليتبينها ، كما ورد في مجمع البيان (١).
ولكن الظاهر هو التفسير الأول ، لأن الثالث ، يعني عدم التعرض لصلاة النهار ، فلا تكون الآية شاملة لأوقات الصلاة كلها.
أمّا غسق الليل ، فهو ظهور ظلام الليل ، أو شدّته ، وهو الذي يتمثل في منتصفه ، وبذلك تكون متعرضة لصلاة المغرب والعشاء التي تمتد إلى ذلك الوقت.
(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) أي صلاة الفجر ، باعتبار أن الصلاة تمثل الجوّ القرآنيّ لما تشتمل عليه من القرآن الذي هو روح الصلاة ، ذلك أن القراءة هي التعبير التفصيلي عن الأجواء الروحية والفكرية والشعورية التي تثيرها الصلاة في نفس المسلم المؤمن ، من خلال سورة الفاتحة ، والسورة الأخرى التي تتلوها ، لا
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٦ ، ص : ٥٥٩.