والعملية في كل مداخل الإنسان ومخارجه ، سواء في الأفكار التي يتبنّاها كمدخل طبيعيّ لحركته في الحياة ، أو في العلاقات الخاصة والعامة التي تربطه بالواقع وبالناس ، لتحدد له موقعه في ساحات الصراع واللقاء ، على المستوى الإيجابي أو السلبي ، أو في المشاريع المتنوعة التي تنظّم للإنسان حركته ، وتحدد له دوره وطريقه في الوصول إلى أهدافه وأسلوبه في ممارسة ذلك. وهكذا يعيش الصدق في كل موقع يدخل إليه ، ويتحرك فيه ، لأن ذلك مما ينسجم مع دعوة الحق ، كواجهة للرسالة ، وكعمق للحركة ، وكطابع للشخصية ، في ما يمثله ذلك الواقع من انسجام الكلمة والأسلوب والموقف.
(وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) في جميع المواقف التي يريد الإنسان التحرك منها إلى موقف آخر ، أو في كل المواقع التي تلتقي بالخط السلبي في الحياة ، فلا يكون الموقف منطلقا من الزيف والدجل والرياء ، ولا يكون الموقع مختلفا مع الثوابت المتصلة بالرسالة ، بل يستمد الصدق والثبات من حركته الإيجابية في خط العقيدة والتشريع.
إنها الكلمة التي تعبّر عن العقيدة ، وتنسجم مع الفعل. وهذه هي الدعوة التي يطلقها المؤمن من كل قلبه ، مبتهلا إلى ربه أن يعينه على الإخلاص في النية والفكر والشعور ، وعلى الصدق في القول والعمل في مواجهة الضغوط التي تتحدّى فيه ثباته ، وتخاطب انفعاله ، وتتلاعب بعاطفته ، وتضغط على حركته ... إنه لا يريد أن يسترخي للدعاء ، ليكون بديلا عن الجهد والمعاناة في سبيل تأكيد الموقف ، ليترك الأمر للإرادة الإلهية المباشرة في ما يدخل فيه ، وما يخرج منه ، ولكنه يوحي بأنه يريد أن يتجه هذا الاتجاه ، ويعمل على تأكيده ، ويعاني ـ كل المعاناة ـ في سبيله ، ويريد من الله أن يثبّته في مواقع الزلل ، ويقوّيه في مواطن الضعف ، كما يريد الله للإنسان أن يعمل ما يستطيع ، ويستعين به على ما لا يستطيع.