خلال خصوصيته البشريّة ، أما إذا كان ملكا ، فإن الناس سيحتجّون بعدم امتلاكهم قدرة الملك على تجسيد أخلاقية الرسالة في الحياة. وربّما كانت المسألة تتجه إلى المقولة التي تؤكد على أن الإنسان لا يتحمل النظر إلى الملك ، (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ) لكان من الضروري أن يكون الرسول إليهم منهم ، ليتناسب فكره مع فكرهم ، وقدرته العملية مع قدرتهم. (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) لأن ذلك هو الذي يجعل إمكانات النجاح متوفرة في تجربته الرسالية.
(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) في ما أدّعيه من رسالة ، وما أبلّغه من وحي ، فهو الذي يشهد لي بذلك ، ولو كنت كاذبا لأظهر ذلك للناس ، (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً) يعلم ما يضمرون ، ويبصر ما يعملون.
وهكذا كانت هذه الآيات صورة حية للمشكلة الصعبة التي كان يثيرها هؤلاء أمام الأنبياء ، من خلال ما كانوا يؤكدونه من تصور خاطئ عن النبوّة والأنبياء ، بالمستوى الذي يبعث الشك في مصداقيتهم أمام الناس ، ولكنهم ـ أي الأنبياء ـ ينطلقون إلى الدعوة من موقع ثابت يرتكز على العقل والفكر ، ليقود الناس إلى الحقيقة من أقرب طريق.
* * *