(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) والظاهر أن المقصود بها هي ما أشار إليه في آيات أخرى ، من العصا ، واليد ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفدع ، والدم ، والسنين ، ونقص الثمرات ، وبذلك هيّأ الله سبحانه وتعالى الإطار الموضوعي والتربة الخصبة لحركة موسى عليهالسلام الرسالية على صعيد تبديل المناخ الانهزامي السلبي الذي كان يفرضه فرعون على بني إسرائيل ، وذلك من خلال ما تحمله هذه الآيات من إشارات وآمال على مستوى التدخل الإلهي لإنقاذهم مما هم فيه. (فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ) موسى ، فأثارهم فيهم روحا جديدة من القوّة التي توحي بالثقة العميقة بعد أن عاشورا الانسحاق النفسي الذي أفقدهم حركة الإرادة الرافضة أمام جبروت فرعون ، حتى اعتبروا الضعف الكامن فيهم قضاء وقدرا ، لا يملكون مواجهته بوسائلهم الخاصة ، وكان لا بد من الصدمة التي تتمثل بالمعجزة الخارقة التي تؤكد لهم (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) ، وأن الجبار لا يملك قدرة مطلقة ، بل إن قوّته مستعارة من ضعف الآخرين ، أمّا قدرة الله ، فهي القوة التي لا تقف عند حدّ ، وعلى المؤمنين أن يعتمدوا عليها ، ليواجهوا التجربة من موقع الانفتاح.
فاسألهم عن تجربتهم التي عاشوها من خلال ما تستنطقهم في أخبارهم عند ما جاءهم موسى عليهالسلام بالبينات وواجه فرعون (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) فلم يكن يفهم كيف يمكن للروح أن تستيقظ من موقع المعرفة لتأخذ لنفسها القوّة ، ولم يستطع أن يستوعب ما هو معنى التحدي في الرساليّ الذي يحمل الرسالة لتكون قوّة للإنسان في الفكر والروح والحياة ، وكيف يمكن للإنسان الذي يتصل بالله أن يعيش الحرية الرافضة لكل ألوان العبودية ، لأنه لم يعش تجربة سابقة في هذا المجال ، فالناس الذين يعيشون معه ، هم ممن يتزلّفون إليه ليحصلوا على أطماعهم منه ، أو ممن يخافون منه فيتساقطون أمام جبروته ... ولم يكن ليفكّر بأن هناك وجها آخر للحياة ، يطلّ على عالم جديد من الفكر والحرية والإيمان ... كان السحر هو الذي يفسر الظواهر غير