وكما في حادثة تثبيت الجدار وما أظهرته من إهمال لمبدأ استغلال الطاقة التي يملكها الإنسان ، من أجل حماية نفسه من الجوع ، لا سيما مع الأشخاص الذين لا يعيشون القيم في حياتهم العامة ... ولهذا كانت احتجاجات موسى عليهالسلام تتلاحق وتشتد في كل حالة من هذه الحالات ، حتى كانت الحالة الأخيرة التي سبقها التعهّد الأخير بالصبر من قبل موسى عليهالسلام ، وإعطاء صاحبه الحرية في أن يفارقه ، إذا استمر في إثارة السؤال وفي نفاد الصبر.
وهكذا كان ، ولم يستطع موسى عليهالسلام الصبر في الحالة الأخيرة ، وبدأ العبد الصالح ، بعد أن نفّذ تهديده بالفراق ، يشرح لموسى عليهالسلام كل شيء ، ويوضح له طبيعة الأعمال التي أثارت استنكاره ، وكيف كانت مرتبطة بأمر الله ، لا برأيه الشخصي. وليس من شأن هذا البحث ، أن ندخل في الحديث حول تقييم هذه الأعمال ، من حيث انسجامها مع الخطوط المألوفة للشريعة ، أو اختلافها عنها ، وخضوعها لحالة استثنائية اقتضتها طبيعة تلك الحالات الخاصة ... فإن لذلك بحثا آخر ، لا مجال له الآن.
بل كل ما نريده ، هو الاستفادة من الجو الذي عشناه في هذا الحوار ، بتقرير فكرتين أساسيتين ، تدخلان في نطاق عمل الداعية إلى الله والعامل في سبيل رسالته ...
أ ـ إن على الداعية أن يعيش الانضباط والصبر والصمت في الحياة العملية التي تتحرك في اتجاه ممارسته المسؤولية ، إذا كانت الجهة التي يتبعها أو يتعاون معها في مستوى الثقة الفكرية والدينية والعملية التي تبرّر له أمر الاعتماد عليها ، والسير معها ، فلا يسارع إلى الاعتراض في ما يوجّه إليه من أوامر ، وما يشاهده من أعمال تخالف ما هو مألوف لديه ، لأن ذلك قد يوجب الارتباك في العمل ، والخلل في انضباط الصفوف ... بل يؤخّر ذلك إلى