الذاتي الذي يتفاعل مع إنسانية الآخرين دون الخضوع لها ، لأنه لا يجد نقصا في موقعها الحياتي ، فهي مع الآخرين على حد سواء.
وهكذا تتحرك هذه التربية القرآنية في وعي الذات ، ليبقى الإنسان في حقيقته عبدا لله ، يعيش الإحساس بالضعف أمامه ، ليستمد القوّة منه في كل لحظة ، من خلال انشداد الحاجة المطلقة إلى الغنى المطلق ، ويعيش حرّا أمام الآخرين ، في شعور دائم بالامتلاء الروحي من خلال استقلاله الذاتي عنه ، فكرا وطاقة وحركة حياة.
ثم تنطلق هذه التربية في اتجاه آخر يتصل بقضية الحرية السياسية في واقع الإنسان ، لتكون هذه القيمة الإنسانية أساسا لحركة متجددة شاملة على مستوى الجهاد العنيف الدائم ضد كل قوى الاستكبار في الحياة ، بحيث يتحسس الإنسان انحرافه عن خط الحرية والعزة والكرامة ، كما يتحسس حالة الخطيئة في أعماله الخاصة. وهذا ما عبر عنه الإمام جعفر الصادق عليهالسلام في تفسيره لقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون : ٨] حيث قال معلّقا على ذلك : «إن الله عزوجل فوّض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوّض إليه أن يكون ذليلا» (١). مما يوحي بأن مسألة العزة ليست مسألة شخصية ، بل هي مسألة روحية عامة لا يملك الإنسان حرية التصرف فيها.
وعلى ضوء ما تقدم ، فإننا نستوحي أن الإسلام يمثل ، في عمق تكوينه الفكري والتشريعي ، الدين الذي يحمل قضية الحرية كقاعدة لحركة الإنسان في الحياة في مواجهة قوى الاستعباد والاستكبار ، ويرى في مسألة الجهاد نتيجة طبيعية لذلك ، بحيث يتم التفاعل بين ماهية القاعدة ، وماهية قضية الحرية في المستوى السياسي والعسكري ، فيبطل الرأي القائل بأن الدين يمثل العنصر
__________________
(١) الكليني ، الكافي ، ج : ٥ ، ص : ٦٣ ، رواية : ١.