ويبشرونهم بالسعادة في الدنيا وبالجنة في الآخرة إذا أحسنوا الالتزام به ، وينذرونهم بالشقاء في الحياة وبالنار في الآخرة إذا أساؤوا السير على هداه.
ولكن الناس لا يدققون في فكر الدعوة ، ولا يتأمّلون في النتائج الإيجابية والسلبية في ما يتحرك به التبشير والإنذار ، ولا يتروّون في تحديد موقفهم من حركة الرسالة ودعوات الرسل ، بل ينطلقون مع السطح الظاهر للأشياء ، والنتائج المباشرة للواقع ، وتلحّ عليهم الدعوة إلى التفكير وعدم المبادرة إلى السرعة في الإنكار ، ويظلون مشدودين إلى أوضاعهم الحسية ، فيستعجلون العذاب الذي ينذرهم به الأنبياء ، ليتخلصوا من الإحراج ، أو ليتخففوا من الإلحاح ، أو ليسخروا منهم ، لأنهم لا يعتقدون بجدّية الموضوع ، فيطلبون أن ينزل الله بهم العذاب ، كما قد يطلبون في الحالات الطبيعية أن تنزل عليهم السعادة ويهطل عليهم الخير وتفيض عليهم النعمة. إنهم يستعجلون ذاك كما يستعجلون هذا ، لأنهم لا يفهمون معنى ارتباط المسببات بأسبابها ، وعلاقة النتائج بمقدماتها ، وأن لكل شيء أجلا لا يعدوه ، وأن الله عند ما يعد الناس بالخير أو يتوعدهم بالعذاب ، فإنه لا يستعجل الأمر قبل أوانه ، بل يؤخره إلى أجل مسمّى وفقا لما قدره للأشياء من أسباب وآجال تبعا لحكمته الثابتة التي لا تهتز ولا تتزلزل. ولو عرف الإنسان كيف يفكر ليعرف النتائج السلبية والإيجابية لخطواته العملية في الحياة ، لاستطاع أن يدرك الهول العظيم لما يلاقيه من العذاب الذي لو التقى به ، لودّ أن يكون بينه وبينه بعد المشرقين.
وهذا ما يمنعه من السير على الطريقة التي هي أقوم ، ومن الانفتاح على البشارة والابتعاد عن أجواء الإنذار.
* * *