يتحملها الإنسان أمام الله ، فهو مسئول عن عمله ، لأن الله قد أودع عناصر المسؤولية في خلقه من خلال ما خلق من العقل والإرادة وأدوات الحس التي يدرك بها الأشياء ، وفي وحيه من خلال ما هداه الله إليه في ما يريد له أن يؤمن به من الحق الذي يهدي إليه العقل من خلال الفكر ، وما يريد له أن يقوم به من مسئوليات عملية يدركها بعقله أو سمعه أو بما يعرفه من وحي الله ، وبذلك يتحمل المسؤولية من خلال الإرادة التي توحي له بالحركة ، وبالوسائل التي يتمكن بواسطتها من الحفاظ على هذه الأمانة.
وقد نجد في هذه المسؤولية نوعا من أنواع التكريم الإلهي للإنسان ، لأنه أوكل إليه أمر تقرير مصيره الدنيوي والأخروي بنفسه ، وبذلك كانت إرادة الله أن يدير الكون ، ويدير نفسه من خلال نفسه في خط المسؤولية ، مما يوحي بالتقييم الكبير لدوره المتحرك الفاعل المسؤول. وهذا ما تريد الآية أن تثيره في وعي الإنسان ووجدانه ، في طبيعة علاقة المسؤولية بمصيره وفي الموقف الأخروي الحاسم الذي يواجه فيه النتائج الإيجابية أو السلبية بنفسه ، فيحكم لنفسه أو عليها ، من موقع التقرير الدقيق الذي يسجل كل الأشياء الصغيرة والكبيرة من قوله وفعله ، ليقرأه بكل وضوح وإذعان.
(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ، والطائر هو التعبير الكنائي عن المصير الشقي ، أو المصير السعيد ، تبعا لما كان يتشاءم به الناس أو يتفاءلون به من أنواع الطيور التي يعتبرونها طيور نحس أو طيور سعد ، فكأن الله يريد أن يوحي للإنسان بأن مصيره لا يأتيه من خارج ذاته أو هو مرتبط بالحظ الذي يحمل له السعادة أو الشقاء دون أن يكون له دخل في ذلك ، بل هو متصل بحركة وجوده ، من خلال عمله ، وبذلك فإنه معلّق في عنقه ، وهذا ما يوحي به التعبير من معنى المسؤولية اللازم له ، باعتبار أن العنق لا يفارق الإنسان ما دام حيّا بخلاف الأعضاء الأخرى.
* * *