العباد بشكل غير مباشر ، وذلك بتهيئة الأسباب الواقعيّة التي لا يستطيع المترفون الفسق بدونها ، من القوة البدنية والفكرية والمال والسلاح والجاه والشهوات ، ولكن ذلك لا يجعل من الفسق أمرا حتميا ، لأن بإمكانهم أن يسخّروها في الطاعة والخير ، وفق ما أراد الله لهم بالالتزام بالتشريع. فإذا استعملوها في طريق الفسق ، كان الفعل مرتبطا بالله من ناحية أنه السبب الأعمق الذي ترتبط به الأعمال ، وأنه الذي ربط بين السبب والمسبب ، غير أن الإنسان هو الذي يحرك السبب نحو المسبّب ، فيكون هو العنصر المباشر الذي يتحمل المسؤولية ، لأن الله جعل له الحرية بين الفعل وعدمه. وهذا أسلوب قرآنيٌّ ، أشرنا إليه في كل مورد أسند فيه الفعل الصادر من الإنسان مباشرة إلى الله.
ولعل التفسير الثاني هو الأقرب إلى ظاهر الآية ، كما نلاحظ ذلك في دراسة هذا التعبير من خلال التعبيرات المماثلة التي حذف فيها متعلق الأمر للدلالة عليه بالفعل المسبوق بالفاء ، الذي يوحي بانفعال الفاعل بتحقيق الأمر المتوجه إليه ، بينما نجد التفسير الأول بعيدا عن الفهم العرفي ، بالإضافة إلى إنه لا وجه لاختصاص المترفين بتوجيه التكليف إليهم وعصيانهم له ؛ والله العالم.
(فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ) الإلهي الذي تفرضه سننه الكونية ، (فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) وأهلكناها بكل مظاهر الهلاك الروحي والفكري والاجتماعي والسياسي ، جزاء لها على ذلك كله.
وخلاصة الفكرة ، التي تريد أن توحي بها الآية ، أن الله لا يريد إهلاك أيّة قرية إلا بعد أن يتحرك فيها المترفون الذين يستغلون النعم التي أغدقها الله عليهم في الفساد والإفساد اللّذين يؤدّيان إلى الدمار الشامل.
* * *