الأمل من مواقع الثقة بالله الذي لا يعجزه شيء ، أو كمن يبخل بالمال ويمتنع عن العطاء خوفا من الفقر ، غير ملتفت إلى أن الله الذي أعطاه بالأمس يمكن أن يعطيه اليوم وغدا ، فإن خزائنه لا تنفد ، وعطاءه لا ينقطع. وهكذا يريد الله أن يعمّق في داخل الإنسان الإحساس بحضور الله في حياته ورعايته له في جميع أموره ، في كل وقت. وهذا ما عالجت الآية بعض مفرداته.
(وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) فقد تعتقدون أن كثرة الأولاد قد تؤدي بكم إلى الفاقة التي توقعكم في مشاكل كثيرة ، فتسيء إلى عزتكم وكرامتكم ، وتمنعكم من كثير من طيبات الحياة ، ولكن هذا الاعتقاد ليس متناسبا مع عقيدة المؤمن بالله الذي يرزق عباده من فضله ، فهو الذي يتكفل الآباء والأولاد ، لأن الله لم يجعل رزق الأولاد على الآباء من ناحية تكوينية ، بل تكفل برزق الجميع ، فإذا فكر هؤلاء الآباء في مصدر الرزق الذي يأتيهم ليقوموا بتدبير أمورهم ، فعليهم أن يفكروا أنه هو المصدر الذي يمد أولادهم بالرزق. (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) لأننا لم نخلق مخلوقا إلا وتكفلنا برزقه ، فلا يدفعكم الشيطان إلى قتلهم خوفا من الفقر ، انطلاقا من هذه الأفكار التي تبعدكم عن خط الإيمان بالله والثقة بقدرته على كل شيء.
(إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) لأنه لا ينسجم مع احترام إنسانية الولد وضعفه ، من خلال مخاوف وهمية لا تبرر ذلك ، مما يجعل من قتله جريمة لا يغفرها الله. وقد أريد من الخطأ هنا ما يرادف الخطيئة التي يتعمّدها الإنسان من دون مبرّر ، وذلك مقابل الصواب على أساس التفسير الذي ذكره اللغويون للخطأ في بعض معانيه ، وهو أن تريد ما لا يحسن إرادته وفعله ، لا الخطأ الذي يقصد منه ما لا يتعمد الإنسان فعله.
* * *