(فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ ، وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ).
ثم تحكى لنا جانبا من قصة موسى ـ عليهالسلام ـ مع فرعون ، ومن المحاورات ، والمجادلات التي دارت بينهما ، ومن الدعوات المستجابة التي توجه بها موسى إلى خالقه ، فتقول : (وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ ، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ. قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ).
ثم نراها في الربع السادس والأخير منها ، تحكى لنا ما قاله فرعون عند ما أدركه الغرق ، كما تخبرنا عن النهاية الطيبة التي لقوم يونس ـ عليهالسلام ـ بسبب إيمانهم ، ثم تسوق ألوانا من مظاهر قدرة الله ، ومن حكمه العادل بين عباده ، ومن رعايته لأوليائه ورسله فتقول : (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ).
ثم تختم السورة الكريمة بتوجيه نداء إلى الناس تبين لهم فيه أن من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ، وأن من ضل فإنما يضل عليها فتقول : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ، فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها ، وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ. وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ).
* * *
تلك أهم المقاصد الإجمالية التي اشتملت عليها السورة الكريمة ، ومنها نرى بوضوح أن السورة الكريمة قد عنيت عناية بارزة بإثبات وحدانية الله وقدرته النافذة ، وعلمه المحيط بكل شيء ، تارة عن طريق مخلوقاته التي يشاهدونها كما في قوله ـ تعالى ـ : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ...).
وتارة عن طريق اعترافهم بأن الله وحده هو خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم كما في قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ ، وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ، وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ، وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ).
وتارة عن طريق لجوئهم إليه وحده لا سيما عند الشدائد والمحن ، كما حدث من فرعون عند ما أدركه الغرق.
كذلك نرى السورة الكريمة قد عنيت بدعوة الناس إلى التدبر والتفكر وإلى الاعتبار بمصارع الظالمين ، وإلى عدم التعلق بزخرف الحياة الدنيا ..