قال القرطبي : «المراد صلوا في بيوتكم سرا لتأمنوا ، وذلك حين أخافهم فرعون ، فأمروا بالصبر واتخاذ المساجد في البيوت ، والإقدام على الصلاة ، والدعاء ، إلى أن ينجز الله وعده ، وهو المراد بقوله (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا) وكان من دينهم أنهم لا يصلون إلا في البيع والكنائس ماداموا على أمن ، فإذا خافوا فقد أذن لهم أن يصلوا في بيوتهم ...» (١).
وقوله : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أى : داوموا عليها ، وأدوها في أوقاتها بخشوع وإخلاص ، فإن في أدائها بهذه الصورة. وسيلة إلى تفريج الكروب ، وفي الحديث الشريف : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا حزبه أمر صلى».
وقوله (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) تذييل قصد به بعث الأمل في نفوسهم متى أدوا ما كلفوا به.
أى : وبشر المؤمنين بالنصر والفلاح في الدنيا ، وبالثواب الجزيل في الآخرة.
قال صاحب الكشاف : «فإن قلت : كيف نوع الخطاب فثنى أولا ، ثم جمع ، ثم وحد آخرا؟
قلت : خوطب موسى وهارون ـ عليهالسلام ـ أن يتبوآ لقومهما بيوتا ويختاراها للعبادة ، وذلك مما يفوض إلى الأنبياء. ثم سيق الخطاب عاما لهما ولقومهما باتخاذ المساجد والصلاة فيها ، لأن ذلك واجب على الجمهور. ثم خص موسى ـ عليهالسلام ـ بالبشارة التي هي الغرض تعظيما لها ، وللمبشر بها» (٢).
ولأن بشارة الأمة ـ كما يقول الآلوسى ـ وظيفة صاحب الشريعة ، وهي من الأعظم أسرّ وأوقع في النفس (٣).
هذا ، ومن التوجيهات الحكيمة التي نأخذها من هذه الآية الكريمة ، أن مما يعين المؤمنين على النصر والفلاح ، أن يعتزلوا أهل الكفر والفسوق والعصيان ، إذا لم تنفع معهم النصيحة ، وأن يستعينوا على بلوغ غايتهم بالصبر والصلاة ، وأن يقيموا حياتهم فيما بينهم على المحبة الصادقة ، وعلى الأخوة الخالصة ، وأن يجعلوا توكلهم على الله وحده (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ ، قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
ثم حكى القرآن الكريم بعد ذلك ، ما تضرع به موسى ـ عليهالسلام ـ إلى الله ـ تعالى ـ من دعوات خاشعات ، بعد أن يئس من إيمان فرعون وملئه فقال ـ سبحانه ـ :
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ٨ ص ٢٧١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٤٩.
(٣) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٥٢.