يدخل بيته ، ويرخى ستره ، ويحنى ظهره ، ويتغشى بثوبه ثم يقول : هل يعلم الله ما في قلبي فنزلت هذه الآية.
وقيل : نزلت في المنافقين ، كان أحدهم إذا مر بالنبي صلىاللهعليهوسلم ثنى صدره. وتغشى بثوبه لئلا يراه.
وقيل : نزلت في الأخنس بن شريق ، وكان رجلا حلو المنطق ، حسن السياق للحديث ، يظهر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم المحبة ، ويضمر في قلبه ما يضادها ..» (١).
وعلى أية حال فإن الآية الكريمة تصور تصويرا بديعا جهالات بعض الضالين بعلم الله ـ تعالى ـ المحيط بكل شيء ، كما تصور تصويرا دقيقا أوضاعهم الحسية حين يأوون إلى فراشهم ، وحين يلتقون بالنبي صلىاللهعليهوسلم.
والضمير المجرور في قوله (مِنْهُ) يعود إلى الله ـ تعالى ـ وعليه يكون المعنى ألا إن هؤلاء المشركين يلوون صدورهم عن الحق الذي جاءهم به نبيهم صلىاللهعليهوسلم توهما منهم أن فعلهم هذا يخفى على الله ـ تعالى ـ.
ومنهم من يرى أن الضمير في قوله (مِنْهُ) يعود إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وعليه يكون المعنى :
ألا إن هؤلاء المشركين يعرضون عن لقاء النبي صلىاللهعليهوسلم ويطأطئون رءوسهم عند رؤيته ، ليستخفوا منه ، حتى لا يؤثر فيهم بسحر بيانه.
ومع أن كلا القولين له وجاهته وله من سبب النزول ما يؤيده ، إلا أننا نميل إلى كون الضمير يعود على الله ـ تعالى ـ لأن قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) يؤيد عودة الضمير إليه ـ سبحانه ـ إذ علم السر والعلن مرده إليه وحده.
وافتتحت الآية الكريمة بحرف التنبيه (أَلا) وجيء به مرة أخرى في قوله (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ..) للاهتمام بمضمون الكلام ، وللفت أنظار السامعين إلى ما بلغه هؤلاء الضالون من جهل وانطماس بصيرة.
ثم بين ـ سبحانه ـ أنه لا يخفى عليه شيء من أحوالهم فقال : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ ، يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
أى : ألا يعلم هؤلاء الجاهلون أنهم حين يأوون إلى فراشهم ، ويتدثرون بثيابهم ، يعلم
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٨٥.