السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، وكان عرشه على الماء.
وروى الإمام أحمد عن لقيط بن عامر العقيلي قال : قلت يا رسول الله ، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال : كان في عماء ، ما تحته هواء ، وما فوقه هواء ، ثم خلق العرش بعد ذلك (١).
والعماء : السحاب الرقيق ، أى فوق سحاب مدبرا له ، وعاليا عليه. والسحاب ليس تحته سوى الهواء ، وليس فوقه سوى الهواء. والمراد أنه ليس مع الله ـ تعالى ـ شيء آخر.
وقوله ـ سبحانه ـ (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) جملة تعليلية. ويبلوكم من الابتلاء بمعنى الاختبار والامتحان.
أى : خلق ما خلق من السموات والأرض وما فيهما من كائنات ، ورتب فيهما جميع ما تحتاجون إليه من أسباب معاشكم ، ليعاملكم معاملة من يختبر غيره ، ليتميز المحسن من المسيء ، والمطيع من العاصي ، فيجازى المحسنين والطائعين بما يستحقون من ثواب ، ويعاقب المسيئين والعاصين بما هم أهله من عقاب.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف قيل : (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) وأعمال المؤمنين هي التي تتفاوت الى حسن وأحسن ، فأما أعمال المؤمنين والكافرين فتفاوتها إلى حسن وقبيح؟ قلت : الذين هم أحسن عملا هم المتقون وهم الذين استبقوا إلى تحصيل ما هو مقصود الله ـ تعالى ـ من عباده ، فخصهم بالذكر ، واطرح ذكر من وراءهم ، تشريفا لهم ، وتنبيها على مكانهم منه ، وليكون ذلك لطفا للسامعين ، وترغيبا في حيازة فضلهم (٢).
ثم ختم ـ سبحانه ـ الآية الكريمة ببيان موقف الكافرين من البعث والحساب فقال : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
أى ، ولئن قلت يا محمد لهؤلاء الكافرين الذين أرسلك الله لإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، لئن قلت لهم (إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ) يوم القيامة (مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ) الذي سيدرككم في هذه الدنيا عند نهاية آجالكم (لَيَقُولَنَ) لك هؤلاء الكافرون على سبيل الإنكار والتهكم ما هذا الذي تقوله يا محمد (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أى : إلا سحر واضح جلى ظاهر لا لبس فيه ولا غموض.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف إلا ساحر مبين فتكون الإشارة بقوله (هذا) إلى
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٤٠ طبعة الشعب.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٦٠.