فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) إرشاد لهؤلاء المشركين إلى طريق الحق والسعادة لو كانوا يعقلون ، إذ الخطاب موجه إليهم لعلهم يثوبون إلى الرشد.
والمعنى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ لهؤلاء الذين تحديتهم أن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن ، وأبحت لهم أن يستعينوا في ذلك بمن شاءوا من البشر ، قل لهم : فإن لم يستجب لدعوتكم من استعنتم بهم في الإتيان بعشر سور من مثل القرآن .. وهم لن يستجيبوا لكم قطعا ـ (فَاعْلَمُوا) أيها الناس أن هذا القرآن (أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) وحده ، وبقدرته وحدها. ولا يقدر على إنزاله بتلك الصورة أحد سواه.
واعلموا ـ أيضا ـ أنه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ـ سبحانه ـ فهو الإله الحق ، الذي تعنو له الوجوه ، وتخضع له القلوب ، وتتجه إليه النفوس بالعبادة والطاعة.
(فَهَلْ أَنْتُمْ) أيها المشركون بعد كل تلك الأدلة الواضحة الدالة على وحدانية الله ، وعلى أن هذا القرآن من عنده (مُسْلِمُونَ) أى : داخلون في الإسلام ، متبعون لما جاءكم به الرسول صلىاللهعليهوسلم.
والمراد بالعلم في قوله (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ ...) : الاعتقاد الجازم البالغ نهاية اليقين ، أى فأيقنوا أن هذا القرآن ما أنزل إلا ملابسا لعلم الله ـ تعالى ـ المحيط بكل شيء.
والفاء في قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) للتفريع ، والاستفهام هنا المقصود به الحض على الفعل وعدم تأخيره.
أى : فهل أنتم بعد كل هذه الأدلة على صدق ما جاءكم به نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم تشكون في أن الإسلام هو الدين الحق؟ إن الشك في ذلك لا يكون من عاقل ، فبادروا إلى الدخول في الإسلام إن كنتم من ذوى العقول التي تعقل ما يقال لها.
ويرى بعض العلماء أن الخطاب في هذه الآية موجه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين ، أو إليه وحده صلىاللهعليهوسلم وعلى سبيل التعظيم وعليه يكون المعنى :
«فإن لم يستجب لكم ـ أيها المؤمنون ـ هؤلاء الذين أعرضوا عن دعوة الحق ، بعد أن ثبت عجزهم عن الإتيان بما تحديتموهم به (فَاعْلَمُوا) أى فازدادوا علما ويقينا وثباتا ، بأن هذا القرآن «إنما أنزل بعلم الله» الذي لا يعزب عنه شيء ، وازدادوا علما بأنه لا إله إلا هو ـ سبحانه ـ مستحق للعبادة والطاعة ، فهل أنتم بعد كل ذلك (مُسْلِمُونَ) أى ثابتون على الإسلام ، وملتزمون بكل أوامره ونواهيه.
ومع أننا نرى أن القولين صحيحان من حيث المعنى ، إلا أننا نفضل الرأى الأول القائل