عشر وصفا أولها : افتراء الكذب ... وآخرها : الخسران في الآخرة. كما بينت حال المؤمنين وبشرتهم بالخلود في الجنة : ثم ضربت مثلا لكل فريق وشبهت حاله بما يناسبه من صفات ..
وفي ذلك ما فيه من الهداية إلى الطريق المستقيم ، لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد.
وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله ووحدانيته وعن إعجاز القرآن الكريم وعن حسن عاقبة المؤمنين وسوء عاقبة المكذبين ساقت السورة الكريمة بترتيب حكيم قصص بعض الأنبياء مع أقوامهم وقد استغرق هذا القصص معظم الآيات الباقية فيها فقد حدثتنا عن قصة نوح مع قومه وعن قصة هود مع قومه ، وعن قصة صالح مع قومه ، وعن قصة لوط مع قومه ، وعن قصة شعيب مع قومه ، كما تحدثت عن قصة إبراهيم مع رسل الله الذين جاءوه بالبشرى ، وعن جانب من قصة موسى مع فرعون.
قال الإمام الرازي : اعلم أنه ـ تعالى ـ لما ذكر في تقرير المبدأ والمعاد دلائل ظاهرة ، وبينات قاهرة ، وبراهين باهرة ، أتبعها بذكر قصص الأنبياء وفيه فوائد :
أحدها : التنبيه على أن إعراض الناس عن قبول هذه الدلائل والبينات ليس من خواص قوم النبي صلىاللهعليهوسلم ، بل هذه العادة المذمومة كانت حاصلة في جميع الأمم السالفة ، والمصيبة إذا عمت خفت. فكان ذكر قصصهم وحكاية إصرارهم وعنادهم يفيد تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم وتخفيف ذلك على قلبه.
وثانيها : أنه ـ تعالى ـ يحكى في هذه القصص أن عاقبة أمر أولئك المنكرين كان إلى اللعن في الدنيا والخسارة في الآخرة. وعاقبة أمر المحقين الى الدولة في الدنيا والسعادة في الآخرة ، وذلك يقوى قلوب المحقين ، ويكسر قلوب المبطلين.
وثالثها : التنبيه على أنه ـ تعالى ـ وإن كان يمهل هؤلاء المبطلين ، ولكنه لا يهملهم ، بل ينتقم منهم على أكمل الوجوه.
ورابعها : بيان أن هذه القصص دالة على نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم لأنه كان أميا ، وما طالع كتابا ولا تتلمذ على أستاذ ، فإذا ذكر هذه القصص على هذا الوجه من غير تحريف ولا خطأ ، دل ذلك على أنه إنما عرفه بالوحي من الله ـ تعالى ـ (١).
وقد بدأت السورة الكريمة قصصها بقصة نوح مع قومه ، وقد وردت هذه القصة في سور متعددة منها سورة الأعراف ، وسورة المؤمنون ، وسورة نوح ... إلا أنها وردت هنا بصورة أكثر تفصيلا من غيرها.
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٢٤٠.