ونحن (نُوحِيها إِلَيْكَ) ونعرفك بها عن طريق وحينا الصادق الأمين.
وهذه القصة وأمثالها (ما كُنْتَ تَعْلَمُها) أنت يا محمد ، وما كان يعلمها (قَوْمُكَ) أيضا ، بهذه الصورة الصادقة الحكيمة ، الخالية من الأساطير والأكاذيب.
(مِنْ قَبْلِ) هذا الوقت الذي أوحيناها إليك فيه.
وما دام الأمر كذلك (فَاصْبِرْ) صبرا جميلا على تبليغ رسالتك ، وعلى أذى قومك كما صبر أخوك نوح من قبل.
وجملة (إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) تعليل للأمر بالصبر.
والعاقبة : الحالة التي تعقب حالة قبلها ، وقد شاعت عند الإطلاق في حالة الخير كما في قوله ـ تعالى ـ (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى). وأل فيها للجنس ، واللام في قوله (لِلْمُتَّقِينَ) للاختصاص.
أى : إن العاقبة الحسنة الطيبة في الدنيا والآخرة ، للمتقين الذين صانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضى الله ـ تعالى ـ ، وليست لغيرهم ممن استحبوا العمى على الهدى.
والآية الكريمة تعقيب حكيم على قصة نوح ـ عليهالسلام ـ قصد به الامتنان على النبي صلىاللهعليهوسلم والموعظة ، والتسلية.
فالامتنان نراه في قوله ـ تعالى ـ (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا).
والموعظة نراها في قوله ـ سبحانه ـ (فَاصْبِرْ).
والتسلية نراها في قوله ـ عزوجل ـ (إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ).
وبعد ، فهذه قصة نوح ـ عليهالسلام ـ كما وردت في هذه السورة الكريمة ، ومن العبر والعظات والهدايات والحقائق التي نأخذها منها ما يأتى :
١ ـ الدلالة على صدق النبي صلىاللهعليهوسلم فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله ـ تعالى ـ ، فقد أخبرنا عن قصة نوح ـ عليهالسلام ـ مع قومه ، وعن غيرها من القصص ، التي هي من أنباء الغيب ، والتي لا يعلم حقيقتها وتفاصيلها أحد سوى الله ـ عزوجل ـ.
٢ ـ أن نوحا ـ عليهالسلام ـ قد سلك في دعوته إلى الله ـ تعالى ـ أحسن الأساليب وأحكمها ، فقد دعا قومه إلى عبادة الله ـ تعالى ـ وحده في الليل وفي النهار. وفي السر وفي العلانية ، وأقام لهم ألوانا من الأدلة على صدقه ، ورغبهم في الإيمان بشتى ألوان الترغيب ، وحذرهم من الكفر بشتى أنواع التحذير ، وصبر على أذاهم صبرا جميلا ، ورد على سفاهاتهم