وثانيهما : أن يكون الاستنقاص من جهة غيرهم إذا اشتروا منه ، بأن يأخذوا منه أكثر من حقهم.
فكأنه ـ عليهالسلام ـ يقول لهم : لا تنقصوا المكيال والميزان لا عند الأخذ ولا عند الإعطاء ، فلا تعطوا غيركم أقل من حقه إذا بعتم ، ولا تأخذوا منه أكثر من حقكم إذا اشتريتم.
وإلى هذين الأمرين أشار قوله ـ تعالى ـ (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ ، الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ، وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ...).
ثم بين لهم الأسباب التي دعته إلى أمرهم ونهيهم فقال : (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ).
والخير : كلمة جامعة لكل ما يرضى الإنسان ويغنيه ويسره.
ومحيط : أى شامل بحيث لا يستطيع أحد الإفلات منه. كما يحيط الظرف بالمظروف ...
أى : أخلصوا لله عبادتكم ، والتزموا العدل في معاملاتكم ، فإنى أراكم تملكون الوفير من المال ، وتعيشون في رغد من العيش ، وفي بسطة من الرزق ، ومن كان كذلك فمن الواجب عليه أن يقابل هذه النعم بالشكر لواهبها وهو الله ـ تعالى ـ وأن يستعملها استعمالا يرضيه ، وأن يعطى كل ذي حق حقه.
وإنى ـ أيضا ـ أخاف عليكم إذا ما تماديتم في مخالفة ما آمركم به وما أنهاكم عنه ، عذاب يوم أهواله وآلامه شاملة لكل ظالم ، بحيث لا يستطيع أن يهرب منها ...
قال الشوكانى : وصف ـ سبحانه ـ اليوم بالإحاطة ، والمراد العذاب لأن العذاب واقع في اليوم ، ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم ، أنهم لا يشذ منهم أحد عنه ، ولا يجدون منه ملجأ ولا مهربا» (١).
فأنت ترى أن شعيبا ـ عليهالسلام ـ بعد أن أمرهم بما يصلح عقيدتهم ونهاهم عما يفسد معاملاتهم وأخلاقهم ... ذكرهم بما هم فيه من نعمة وغنى قطعا لعذرهم حتى لا يقولوا له نحن في حاجة إلى تطفيف المكيال والميزان لفقرنا ، ثم أخبرهم بأنه ما حمله على هذا النصح لهم إلا خوفه عليهم.
ثم واصل شعيب ـ عليهالسلام ـ نصحه لقومه ، فأمرهم بالوفاء بعد أن نهاهم عن
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٢ ص ٥١٨.