هذا دليل. ومما يدل على التفرقة بين الشمس والقمر في نورهما قوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) (١) وقوله ـ سبحانه ـ : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً) (٢).
وقوله : (وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) معطوف على ما قبله.
والتقدير : جعل الشيء أو الأشياء على مقادير مخصوصة في الزمان أو المكان أو غيرهما قال ـ تعالى ـ : (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ).
المنازل : جمع منزل ، وهي أماكن النزول ، وهي ـ كما يقول بعضهم ـ ثمانية وعشرون منزلا ، وتنقسم إلى اثنى عشر برجا وهي : الحمل ، والثور ، والجوزاء ، والسرطان ، والأسد ، والسنبلة ، والميزان ، والعقرب ، والقوس ، والجدى ، والدلو ، والحوت ، لكل برج منها منزلان وثلث منزل ، وينزل القمر في كل ليلة منزلا منها إلى انقضاء ثمانية وعشرين.
ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما ، ويستتر ليلة واحدة إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما (٣).
والضمير في قوله : (قَدَّرْناهُ) يعود الى القمر ، كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ).
أى : الله ـ تعالى ـ هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا ، وقدر للقمر منازل ينزل فيها في كل ليلة على هيئة خاصة ، وطريقة بديعة تدل على قدرة الله وحكمته.
قالوا : وكانت عودة الضمير إلى القمر وحده ، لسرعة سيره بالنسبة إلى الشمس : ولأن منازله معلومة محسوسة ، ولأنه العمدة في تواريخ العرب ، ولأن أحكام الشرع منوطة به في الأغلب (٤).
وجوز بعضهم أن يكون الضمير للشمس والقمر معا ، أى : وقدر لهما منازل ، أو قدر لسيرهما منازل لا يجاوزانها في السير ، ولا يتعدى أحدهما على الآخر كما قال ـ تعالى ـ : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٥).
وإنما وحد الضمير للإيجاز كما في قوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (٦).
وقوله : (لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) بيان للحكمة من الخلق والتقدير.
__________________
(١) سورة نوح الآية ١٦.
(٢) سورة الفرقان الآية ٦١.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٣٤.
(٤) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ٦٩.
(٥) سورة يس الآية ٤٠.
(٦) سورة التوبة الآية ٦٢.