والنكتة في الاستثناء بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة ، إنما كانت كذلك بمشيئة الله ـ تعالى ـ لا بطبيعتها في نفسها ، ولو شاء ـ تعالى ـ أن يغيرها لفعل.
وابن كثير قد أشار إلى ذلك بقوله : يعنى أن دوامهم فيها ليس أمرا واجبا بذاته ، بل هو موكول إلى مشيئته ـ تعالى ـ» (١).
٢ ـ أن الاستثناء هنا خاص بالعصاة من المؤمنين.
ومن العلماء الذين رجحوا هذا القول الإمامان : ابن جرير وابن كثير.
أما ابن جرير فقد قال ما ملخصه بعد أن سرد الأقوال في ذلك :
«وأولى الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن الضحاك وقتادة من أن ذلك استثناء في أهل التوحيد من أهل الكبائر ، أنه يدخلهم النار خالدين فيها أبدا ، إلا ما شاء تركهم فيها أقل من ذلك ، ثم يخرجهم فيدخلهم الجنة ـ أى العصاة من المؤمنين ...» (٢).
وأما ابن كثير فقد وضح ما اختاره ابن جرير ورجحه فقال ما ملخصه :
وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة ... نقل كثيرا منها الإمام ابن جرير ، واختار : أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ، ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين ، من الملائكة والنبيين والمؤمنين ، حين يشفعون في أصحاب الكبائر ، ثم تأتى رحمة أرحم الراحمين ، فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط ، وقال يوما من الدهر : لا إله إلا الله ، كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ، ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ، ولا محيد له عنها ، وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة» (٣).
وقد ذكر الشيخ الشوكانى هذا القول ضمن أحد عشر قولا فقال ما ملخصه :
وقوله (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) : قد اختلف أهل العلم في هذا الاستثناء على أقوال منها :
(أ) أنه من قوله (فَفِي النَّارِ) كأنه قال : إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك ...
(ب) أن الاستثناء إنما هو للعصاة من الموحدين وإنهم يخرجون بعد مدة من النار ، وعلى هذا يكون قوله (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) عاما في الكفرة والعصاة ، ويكون الاستثناء من
__________________
(١) تفسير القاسمى ج ٩ ص ٣٤٨٦.
(٢) تفسير ابن جرير ج ١٢ ص ٧٠.
(٣) تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٨١.