إليه ـ سبحانه ـ وإعلامهم بأن كل شيء خاضع لإرادته ومشيئته فهو الفاعل المختار الذي لا يجب عليه شيء ولا حق لأحد عليه (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ).
وليس المقصود من هذا الاستثناء وأمثاله نفى خلودهم في النار لأنه لا يلزم من الاستثناء المعلق على المشيئة وقوع المشيئة ولأنه قد أخبرنا ـ سبحانه ـ في كتابه بخلود الكافرين خلودا أبديا في النار.
قال ـ تعالى ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً. إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (١).
وشبيه بهذا الاستثناء ما حكاه ـ سبحانه ـ عن نبيه شعيب ـ عليهالسلام ـ في قوله :
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ. قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها ، وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا ، وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ...) (٢).
فشعيب ـ عليهالسلام ـ مع ثقته المطلقة في أنه لن يعود هو وأتباعه إلى ملة الكفر ، نراه يفوض الأمر إلى مشيئة الله تأدبا معه ـ سبحانه ..
فيقول : وما يكون لنا أن نعود فيها ـ أى ملة الكفر ـ إلا أن يشاء ربنا شيئا غير ذلك وهذا من الأدب العالي في مخاطبة الأنبياء لخالقهم ـ عزوجل.
وقد ذكر كثير من المفسرين هذا القول ضمن الأقوال في معنى الآية ، وبعضهم اقتصر عليه ولم يذكر سواه ، ومن هذا البعض صاحب المنار ، وصاحب محاسن التأويل ...
أما صاحب المنار فقد قال : قوله (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) أى : أن هذا الخلود الدائم هو المعد لهم في الآخرة ... إلا ما شاء ربك من تغيير في هذا النظام في طور آخر ، فهو إنما وضع بمشيئته ، وسيبقى في قبضة مشيئته ، وقد عهد مثل هذا الاستثناء في سياق الأحكام القطعية للدلالة على تقييد تأبيدها بمشيئة الله ـ تعالى ... فقط ، لا لإفادة عدم عمومها ...» (٣).
وأما صاحب محاسن التأويل فقد قال : فإن قلت : ما معنى الاستثناء بالمشيئة ، وقد ثبت خلود أهل الدارين فيهما من غير استثناء؟.
فالجواب : أن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن ، للدلالة على الثبوت والاستمرار.
__________________
(١) سورة النساء. الآيتان ١٦٨ ، ١٦٩.
(٢) راجع تفسيرنا لسورة الأعراف ص ٣٢٣.
(٣) تفسير المنار ج ١٢ ص ١٦٠.