وأكدت بحرف (إِنَ) للاهتمام وتحقيق الخبر ، والحسنات صفة لموصوف محذوف ، وكذلك السيئات.
والمعنى : إن الأعمال الحسنة ـ كالصلاة والزكاة والصيام والحج ، والاستغفار ... يذهبن الأعمال السيئات ، أى يذهبن المؤاخذة عليها ، ويذهبن الاتجاه إليها ببركة المواظبة على الأعمال الحسنة.
والمراد بالسيئات هنا صغار الذنوب ، لقوله ـ تعالى ـ (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (١). ولقوله ـ تعالى ـ (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ...) (٢) ، ولأن كبائر الذنوب لا تكفرها إلا التوبة الصادقة.
وقوله (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) أى : ذلك الذي أمرناك به من وجوب إقامة الصلاة ، ومن الاستقامة على أمر الله ... فيه التذكرة النافعة ، لمن كان شأنه التذكر والاعتبار ، لا الإعراض والعناد.
وهذه الآية الكريمة من الآيات التي قال عنها بعض المفسرين بأنها مدنية ، وقد ذكرنا في التمهيد بين بدى السورة ، أن سورة هود ترجح أنها كلها مكية ، وليس فيها آيات مدنية.
ومما يؤيد أن هذه الآية مكية أنها مسوقة مع ما سبقها من آيات لتسلية النبي صلىاللهعليهوسلم ولإرشاده وأتباعه إلى ما يعينهم على الاستقامة ، وعدم الركون إلى الظالمين.
ولأن بعض الروايات التي وردت في شأنها لم تذكر أنها نزلت في المدينة ، بل ذكرت أن الرسول صلىاللهعليهوسلم تلاها على السائل ، ومن هذه الروايات ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير ـ وهذا لفظه ـ عن ابن مسعود قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله إنى وجدت امرأة في بستان ، ففعلت بها كل شيء ، غير أنى لم أجامعها ، فافعل بي ما شئت ، فلم يقل رسول الله صلىاللهعليهوسلم شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه ، فأتبعه الرسول صلىاللهعليهوسلم بصره ثم قال : ردوه على فردوه عليه فقرأ عليه : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ...) الآية ، فقال معاذ ـ وفي رواية عمر ـ يا رسول الله ، أله وحده أم للناس كافة؟ فقال : بل للناس كافة» (٣).
__________________
(١) سورة النساء الآية ٣١.
(٢) سورة النجم الآية ٣٢.
(٣) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٨٦.