أنه ينشط العقول ، ويبعثها على التأمل والتدبر فيما تقرؤه ، ويعينها على الاتعاظ والاعتبار ..
وهو أسلوب أيضا تقتضيه هذه السورة الكريمة ، لأنها تتحدث عن قصة نبي من أنبياء الله ـ تعالى ـ. والحديث عن ذلك يستلزم إبراز جوهر الأحداث ولبابها ، لا إبراز تفاصيلها وما لا فائدة من ذكره.
فاشتمال السورة الكريمة على هذا الأسلوب البليغ ، هو من باب رعاية الكلام لمقتضى الحال ، وهو أصل البلاغة وركنها الركين.
(ج) السورة الكريمة اهتمت اهتماما واضحا بشرح أحوال النفس البشرية وتحليل ما يصدر عنها في حال رضاها وغضبها ، وفي حال صلاحها وانحرافها ، وفي حال غناها وفقرها ، وفي حال عسرها ويسرها ، وفي حال صفائها وحقدها ..
وقد حدثتنا عن الشخصيات التي وردت فيها حديثا صادقا أمينا ، كشفت لنا فيه عن جوانب متعددة من أخلاقهم ، وسلوكهم ، وميولهم ، وأفكارهم ... وأعطت كل واحد منهم حقه في الحديث عنه.
(ا) فيوسف ـ عليهالسلام ـ وهو الشخصية الرئيسية في القصة ـ حدثتنا عنه حديثا مستفيضا نستطيع من خلاله ، أن نرى له ـ عليهالسلام ـ مناقب ومزايا متنوعة من أهمها ما يأتى :
١ ـ امتلاكه لنفسه ولشهوته مهما كانت المغريات ، بسبب خوفه لمقام ربه ، ونهيه لنفسه عن الهوى ...
ولا أدل على ذلك من قوله ـ تعالى ـ : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ ، قالَ مَعاذَ اللهِ ، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ..).
قال الشيخ القاسمى : قال الإمام ابن القيم ما ملخصه : «لقد كانت دواعي متعددة تدعو يوسف إلى الاستجابة لطلب امرأة العزيز منها : ما ركبه الله في طبع الرجل من ميله إلى المرأة ...
ومنها : أنه كان شابا غير متزوج .. ومنها : أنها كانت ذات منصب وجمال .. وأنها كانت غير آبية ولا ممتنعة ... بل هي التي طلبت وأرادت وبذلت الجهد ..
ومنها : أنه كان في دارها وتحت سلطانها .. فلا يخشى أن تنم عليه ..
ومنها : أنها استعانت عليه بأئمة المكر والاحتيال فأرته إياهن ، وشكت حالها إليهن ...
ومنها : أنها توعدته بالسجن والصغار إن لم يفعل ما تأمره به ..
ومنها : أن الزوج لم يظهر من الغيرة والقوة ما يجعله يفرق بينه وبينها ...