وقوله (يَجْتَبِيكَ) من الاجتباء بمعنى الاصطفاء والاختيار ، مأخوذ من جبيت الشيء إذا اخترته لما فيه من النفع والخير.
و (تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) معناه تفسيرها تفسيرا صحيحا ، إذ التأويل مأخوذ من الأول بمعنى الرجوع ، وهو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه.
والأحاديث جمع تكسير مفردة حديث ، وسميت الرؤى أحاديث باعتبار حكايتها والتحدث بها.
والمعنى : وكما اجتباك ربك واختارك لهذه الرؤيا الحسنة ، فإنه ـ سبحانه ـ يجتبيك ويختارك لأمور عظام في مستقبل الأيام ، حيث يهبك من صدق الحسّ ، ونفاذ البصيرة ، ما يجعلك تدرك الأحاديث إدراكا سليما ، وتعبر الرؤى تعبيرا صحيحا صادقا.
«ويتم نعمته عليك» بالنبوة والرسالة والملك والرياسة «وعلى آل يعقوب» وهم إخوته وذريتهم ، بأن يسبغ عليهم الكثير من نعمه.
(كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ) أى : من قبل هذه الرؤيا أو من قبل هذا الوقت.
وقوله «إبراهيم وإسحاق» بيان لأبويه.
أى : يتم نعمته عليك إتماما كائنا كإتمام نعمته على أبويك من قبل ، وهما إبراهيم وإسحاق بأن وهبهما ـ سبحانه ـ النبوة والرسالة.
وعبر عنهما بأنهما أبوان ليوسف ، مع أن إبراهيم جد أبيه ، وإسحاق جده ، للإشعار بكمال ارتباطه بالأنبياء عليهمالسلام ـ ، وللمبالغة في إدخال السرور على قلبه ، ولأن هذا الاستعمال مألوف في لغة العرب ، فقد كان أهل مكة يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم يا ابن عبد المطلب ، وأثر عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : أنا النبي لا كذب ـ أنا ابن عبد المطلب. وجملة «إن ربك عليم حكيم» مستأنفة لتأكيد ما سبقها من كلام.
أى : إن ربك عليم بمن يصطفيه لحمل رسالته ، وبمن هو أهل لنعمه وكرامته ، حكيم في صنعه وتصرفاته.
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد نوهت بشأن القرآن الكريم ، وساقت بأسلوب حكيم ما قاله يعقوب لابنه يوسف ـ عليهماالسلام ـ بعد أن قص ما رآه في المنام.
* * *
ثم حكى ـ سبحانه ـ بعد ذلك حالة إخوة يوسف وهم يتآمرون عليه ، وحالتهم وهم يجادلون أباهم في شأنه. وحالتهم وهم ينفذون مؤامراتهم المنكرة وحالتهم بعد أن نفذوها وعادوا