وقوله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أى : فصبرى صبر جميل ، وهو الذي لا شكوى فيه لأحد سوى الله ـ تعالى ـ ولا رجاء معه إلا منه ـ سبحانه ـ.
ثم أضاف إلى ذلك قوله : (وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) أى : والله ـ تعالى ـ هو الذي أستعين به على احتمال ما تصفون من أن ابني يوسف قد أكله الذئب.
أو المعنى : والله ـ تعالى ـ وحده هو المطلوب عونه على إظهار حقيقة ما تصفون ، وإثبات كونه كذبا ، وأن يوسف ما زال حيا ، وأنه ـ سبحانه ـ سيجمعنى به في الوقت الذي يشاؤه.
قال الآلوسى : «أخرج ابن ابى حاتم وأبو الشيخ عن قتادة : أن إخوة يوسف ـ بعد أن ألقوا به في الجب ـ أخذوا ظبيا فذبحوه ، ولطخوا بدمه قميصه ، ولما جاءوا به إلى أبيهم جعل يقلبه ويقول : تالله ما رأيت كاليوم ذئبا أحلم من هذا الذئب!! أكل ابني ولم يمزق عليه قميصه ...» (١).
وقال القرطبي : «استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل الفقه كالقسامة وغيرها ، وأجمعوا على أن يعقوب ـ عليهالسلام ـ قد استدل على كذب أبنائه بصحة القميص ، وهكذا يجب على الحاكم أن يلحظ الأمارات والعلامات ...» (٢).
وقال الشيخ القاسمى ما ملخصه : «وفي الآية من الفوائد : أن الحسد يدعو إلى المكر بالمحسود وبمن يراعيه ... وأن الحاسد إذا ادعى النصح والحفظ والمحبة ، لم يصدق ، وأن من طلب مراده بمعصية الله ـ تعالى ـ فضحه الله ـ عزوجل ـ ، وأن القدر كائن ، وأن الحذر لا ينجى منه ...» (٣).
وإلى هنا نجد الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ ، وتصويرها المؤثر ، ما تآمر به إخوة يوسف عليه ، وما اقترحوه لتنفيذ مكرهم ، وما قاله لهم أوسطهم عقلا ورأيا ، وما تحايلوا به على أبيهم لكي يصلوا إلى مآربهم ، وما رد به عليهم أبوهم ، وما قالوه له بعد أن نفذوا جريمتهم في أخيهم. بأن ألقوا به في الجب ...
ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك ، لتقص علينا مرحلة أخرى من مراحل حياة يوسف ـ عليهالسلام ـ حيث حدثتنا عن انتشاله من الجب ، وعن بيعه بثمن بخس وعن وصية الذي اشتراه لامرأته ، وعن مظاهر رعاية الله ـ تعالى ـ له فقال ـ سبحانه ـ :
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٢ ص ١٧٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ٩ ص ١٥٠.
(٣) تفسير القاسمى ج ٩ ص ٣٥٢٠.