ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)(٤٢)
وقوله ـ سبحانه ـ (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ) بيان لما فعله العزيز وحاشيته مع يوسف ـ عليهالسلام ـ بعد أن ثبتت براءته.
وبدا هنا من البداء ـ بالفتح ـ وهو ـ كما يقول الإمام الرازي ـ عبارة عن تغير الرأى عما كان عليه في السابق.
والضمير في «لهم» يعود إلى العزيز وأهل مشورته.
والمراد بالآيات : الحجج والبراهين الدالة على براءة يوسف ونزاهته ، كانشقاق قميصه من دبر ، وقول امرأة العزيز ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ، وشهادة الشاهد بأن يوسف هو الصادق وهي الكاذبة ... والحين : الزمن غير المحدد بمدة معينة.
والمعنى : ثم ظهر للعزيز وحاشيته ، من بعد ما رأوا وعاينوا البراهين المتعددة الدالة على صدق يوسف ـ عليهالسلام ـ وطهارة عرضه ... بدا لهم بعد كل ذلك أن يغيروا رأيهم في شأنه ، وأن يسجنوه في المكان المعد لذلك ، إلى مدة غير معلومة من الزمان.
واللام في قوله «ليسجننه» جواب لقسم محذوف على تقدير القول أى : ظهر لهم من بعد ما رأوا الآيات قائلين ، والله ليسجننه حتى حين.
ولا شك أن الأمر بسجن يوسف ـ عليهالسلام ـ كان بتأثير من امرأة العزيز ، تنفيذا لتهديدها بعد أن صمم يوسف ـ عليهالسلام ـ على عصيانها فيما تدعوه إليه ، فقد سبق أن حكى القرآن عنها قولها (وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) (١).
ولا شك ـ أيضا ـ أن هذا القرار بسجن يوسف يدل على أن امرأة العزيز كانت مالكة لقياد زوجها صاحب المنصب الكبير ، فهي تقوده حيث تريد كما يقود الرجل دابته.
ولقد عبر عن هذا المعنى صاحب الكشاف فقال ما ملخصه : قوله (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ ...)
__________________
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ١٨ ص ١٣٣.