دون أن يشعروا ، فدهشوا وقالوا لأبيهم متعجبين :
(يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) أى : يا أبانا ماذا نطلب من الإحسان والكرم أكثر من هذا الذي فعله معنا عزيز مصر؟ لقد أعطانا الطعام الذي نريده ، ثم رد إلينا ثمنه الذي دفعناه له دون أن يخبرنا بذلك.
فما في قوله (ما نَبْغِي) استفهامية ، والاستفهام للتعجب من كرم عزيز مصر ، وهي مفعول نبغى ، ونبغى من البغاء ـ بضم الباء ـ وهو الطلب.
والمراد ببضاعتهم : الثمن الذي دفعوه للعزيز في مقابل ما أخذوه منه من زاد.
وجملة (هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا) مستأنفة لتوضيح ما دل عليه الاستفهام من التعجب ، بسبب ما فعله معهم عزيز مصر من مروءة وسخاء.
فكأنهم قالوا لأبيهم : كيف لا نعجب وندهش ، وهذه بضاعتنا ردت إلينا من حيث لا ندري ومعها الأحمال التي اشتريناها من عزيز مصر لم ينقص منها شيء؟
وقوله (وَنَمِيرُ أَهْلَنا) معطوف على مقدر يفهم من الكلام ، أى : «هذه بضاعتنا ردت إلينا» فننتفع بها في معاشنا ، ونمير أهلنا ، أى : نجلب لهم الميرة ـ بكسر الميم وسكون الياء ـ وهي الزاد الذي يؤتى به من مكان إلى آخر.
(وَنَحْفَظُ أَخانا) عند سفره معنا من أى مكروه.
(وَنَزْدادُ) بوجوده معنا عند الدخول على عزيز مصر.
(كَيْلَ بَعِيرٍ) أى : ويعطينا العزيز حمل بعير من الزاد ، زيادة على هذه المرة نظرا لوجود أخينا معنا.
ولعل قولهم هذا كان سببه أن يوسف ـ عليهالسلام ـ كان يعطى من الطعام على عدد الرءوس ، حتى يستطيع أن يوفر القوت للجميع في تلك السنوات الشداد.
واسم الإشارة في قوله ـ سبحانه ـ (ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ) يعود إلى الزاد الذي أحضروه من مصر أى : ذلك الطعام الذي أعطانا إياه عزيز مصر طعام يسير ، لا يكفينا إلا لمدة قليلة من الزمان ، ويجب أن نعود إلى مصر لنأتى بطعام آخر.
وفي هذه الجمل المتعددة التي حكاها القرآن عنهم ، تحريض واضح منهم لأبيهم على أن يسمح لهم باصطحاب «بنيامين» معهم في رحلتهم القادمة إلى مصر.