أى : وقال يعقوب ـ الأب العطوف ـ لأبنائه وهو يودعهم : يا بنى إذا وصلتم إلى مصر ، فلا تدخلوا كلكم من باب واحد ، وأنتم أحد عشر رجلا بل ادخلوا من أبوابها المتفرقة ، بحيث يدخل كل اثنين أو ثلاثة من باب.
قالوا : وكانت أبواب مصر في ذلك الوقت أربعة أبواب.
وقد ذكر المفسرون أسبابا متعددة لوصية يعقوب هذه لأبنائه ، وأحسن هذه الأسباب ما ذكره الآلوسى في قوله : نهاهم عن الدخول من باب واحد ، حذرا من إصابة العين أى من الحسد ، فإنهم كانوا ذوى جمال وشارة حسنة ... فكانوا مظنة لأن يعانوا ـ أى لأن يحسدوا ـ إذا ما دخلوا كوكبة واحدة ...
ثم قال : والعين حق ، كما صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وصح أيضا بزيادة «ولو كان شيء يسبق القدر سبقته العين» ...
وقد ورد أيضا : «إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر» (١).
وقيل : إن السبب في وصية يعقوب لأبنائه بهذه الوصية ، خوفه عليهم من أن يسترعى عددهم حراس مدينة مصر إذا ما دخلوا من باب واحد ، فيترامى في أذهانهم أنهم جواسيس أو ما شابه ذلك ، فربما سجنوهم ، أو حالوا بينهم وبين الوصول إلى يوسف ـ عليهالسلام ـ ...
وقوله (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) اعتراف منه ـ عليهالسلام ـ بأن دخولهم من الأبواب المتفرقة ، لن يحول بينهم وبين ما قدره ـ تعالى ـ وأراده لهم ، وإنما هو أمرهم بذلك من باب الأخذ بالأسباب المشروعة.
أى : وإنى بقولي هذا لكم ، لا أدفع عنكم شيئا قدره الله عليكم ، ولو كان هذا الشيء قليلا.
(إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) أى : ما الحكم في كل شيء إلا لله ـ تعالى ـ وحده لا ينازعه في ذلك منازع. ولا يدافعه مدافع.
«وعليه» وحده «توكلت» في كل أمورى.
«وعليه» وحده «فليتوكل المتوكلون» أى المريدون للتوكل الحق ، والاعتماد الصدق الذي لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب التي شرعها الله وأمر بها.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ـ بتصرف وتلخيص ـ ج ١٣ ص ١٥.