يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (٩٧) قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(٩٨)
وقوله ـ تعالى ـ (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا ...) حكاية لما قاله إخوة يوسف له ، بعد أن امتثلوا أمر أبيهم ، فخرجوا إلى مصر للمرة الثالثة ، ليتحسسوا من يوسف وأخيه ، وليشتروا من عزيزها ما هم في حاجة إليه من طعام.
والبضاعة : هي القطعة من المال ، يقصد بها شراء شيء.
والمزجاة : هي القليلة الرديئة التي ينصرف عنها التجار إهمالا لها.
قالوا : وكانت بضاعتهم دراهم زيوفا لا تؤخذ إلا بوضيعة ـ أى : بأقل قيمة ـ وقيل غير ذلك.
وأصل الإزجاء : السوق والدفع قليلا قليلا ، ومنه قوله ـ تعالى ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ...). أى : يرسله رويدا رويدا ...
وسميت البضاعة الرديئة القليلة مزجاة ، لأنها ترد وتدفع ولا يقبلها التجار إلا بأبخس الأثمان.
والمعنى : وقال إخوة يوسف له بأدب واستعطاف ، بعد أن دخلوا عليه للمرة الثالثة «يا أيها العزيز» أى : الملك صاحب الجاه والسلطان والسعة في الرزق ، «مسنا وأهلنا الضر» أى : أصابنا وأصاب أهلنا معنا الفقر والجدب والهزل من شدة الجوع.
(وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) أى : وجئنا معنا من بلادنا ببضاعة قليلة رديئة يردها وينصرف عنها كل من يراها من التجار ، إهمالا لها ، واحتقارا لشأنها.
وإنما قالوا له ذلك : استدرارا لعطفه ، وتحريكا لمروءته وسخائه ، قبل أن يخبروه بمطلبهم الذي حكاه القرآن في قوله :
(فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا ...) أى : هذا هو حالنا شرحناه لك ، وهو يدعو إلى الشفقة والرحمة ، ما دام أمرنا كذلك ، فأتمم لنا كيلنا ولا تنقص منه شيئا ، وتصدق علينا فوق حقنا بما أنت أهل له من كرم ورحمة (إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ) على غيرهم جزاء كريما حسنا