قال الجمل : وقوله (فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) فيه وجهان : أحدهما أنه خبر مقدم وقولهم مبتدأ مؤخر ، ولا بد من حذف صفة لتتم الفائدة ، أى : فعجب أى عجب قولهم. أو فعجب غريب قولهم. والثاني أنه مبتدأ ، وسوغ الابتداء ما ذكرته من الوصف المقدر ، ولا يضر حينئذ كون خبره معرفة (١).
والتنكير في قوله (فَعَجَبٌ) للتهويل والتعظيم.
وجملة (أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) في محل نصب مقول القول.
أى : وإن تعجب من شيء ـ أيها الرسول الكريم ـ فاعجب من قول أولئك المشركين : أإذا صرنا ترابا وعظاما نخرة بعد موتنا أإنا بعد ذلك لنعاد إلى الحياة مرة أخرى من جديد.
والاستفهام للإنكار ، لاستبعادهم الشديد إعادتهم إلى الحياة مرة أخرى لمحاسبتهم على أعمالهم ، كما حكى القرآن عنهم قولهم في آية أخرى : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (٢).
وكرر همزة الاستفهام في (أَإِذا) ، و (أَإِنَّا ..) لتأكيد هذا الإنكار.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك جزاءهم على هذا القول الباطل فقال ـ تعالى ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ...).
أى : أولئك المنكرون لقدرة الله ـ تعالى ـ على البعث ، هم الذين كفروا بربهم (وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) والأغلال : جمع غل. وهو قيد من حديد تشد به اليد إلى العنق ، وهو أشد أنواع القيود.
أى : وأولئك هم الذين توضع الأغلال والقيود في أيديهم وأعناقهم يوم القيامة ، عند ما يساقون إلى النار بذلة وقهر ، بسبب إنكارهم لقدرة الله على إعادتهم إلى الحياة ، وبسبب جحودهم لنعم خالقهم ورازقهم.
قال ـ تعالى ـ : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ* فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) (٣).
وقيل إن الجملة الكريمة تمثيل لحالهم في الدنيا ، حيث شبه ـ سبحانه ـ امتناعهم عن
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٤٩١ طبعة عيسى الحلبي.
(٢) سورة ق الآية ٣.
(٣) سورة غافر الآيتان ٧١ ، ٧٢.